كرواتيا … الفاشية بغلاف ديمقراطي / الطاهر المعز

نتيجة بحث الصور عن كرواتيا

الطاهر المعزّ ( تونس ) الأربعاء 18/7/2018 م …




تأهّل فريق كرواتيا بصعوبة كبيرة خلال تصفيات كأس العالم لكرة القدم، ولكنه بلغ الدور النّهائي، خلال المرحلة النهائية لمونديال روسيا 2018، واحتشدت جماهير غفيرة في شوارع العاصمة والمدن الكبرى رغم خسارة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام فرنسا في الدور النهائي، وَاستغلّت الحكومة وعلى رأسها الرئيسة اليمينية المُتَصَهْيِنة الفُرْصَة لصَرْفِ أنْظار المواطنين (بمساعدة الإعلام العالمي) عن الواقع اليومي وسوء حالة البُنْيَة التّحتية وعن الفساد، وكان بنيامين نتن ياهو على مدارج الملعب خلال مباراة كرواتيا وبريطانيا (الدور نصف النهائي) وصَفَّقَ طويلاً لكرواتيا، ورُفعت بعض أعلام الكيان الصهيوني في إشارة تشجيع لفريق كرواتيا، وستضطَرُّ الجماهير التي احتشدت في الشوارع إلى اليقظة ورُؤْيَة الواقع والبنية التحتية المتهالكة والفساد والفضائح المحلية، في مجالات عديدة، ومنها المجال الرّياضي، إذ قضت محكمة محلّية بحبس الرئيس السابق لنادي العاصمة العريق “دينامو زغرب” لمدة ست سنوات ونصف الستة بتهمة الفساد والتّزوير…

فاشِيّة مُتَجَذِّرَة:

تُعْتَبَرُ كرواتيا مهدًا للفاشية في منطقة البَلْقَان ووسط أوروبا، وكان لزعمائها دور كبير في إشعال الحرب الأهلية وتفتيت الدولة الإتحادية إلى سِتِّ دويلات، بعضها غير قابل للحياة بدون دعم خارجي (مثل البوسنة أو كوسوفو)، ودعمت ألمانيا الفاشِيِّين في كرواتيا منذ 1936 إلى الآن، وكذلك الفاتيكان والولايات المتحدة، ولا يزال الرأي العام في معظمه مُسانِدًا للعقيدة الفاشية ولميراث مليشيات “أوستاشي” التي دعمت النّازية خلال فترة الإحتلال، بسبب المُغالَطَة وطُغْيان الفاشية في مجالات عديدة من الحياة، بما في ذلك الجانب الرياضي، وبعد تفتيت يوغسلافيا (بفعل الحرب التي شَنّها الحلف الأطلسي بزعامة أمريكا وأوروبا، وبمباركة الكنيسة الكاثوليكية  والبابا يوحنا بولس الثاني) انتخبت أغلبية عريضة أحد المُنْتَمِين لتيار مليشيات “أوستاشي” الفاشية “فرانجو تودمان” ليصبح أول رئيس لكرواتيا ما بعد تقسيم يوغسلافيا…

في مجال الرياضة، أوقف الإتحاد الدّولي لكرة القدم (فيفا) “يوسف سيمونيتش” مدافع منتخب كرواتيا و”دينامو زغرب”، لعشر مباريات قبل نهائيات مونديال البرازيل 2014، ومنعه من دخول الملاعب خلال المباريات العشر، وتسديد غرامة مالية مقدارها 30 ألف فرنك سويسري (24 ألف يورو) إضافة إلى 32 ألف يورو أخرى، بسبب ترديده (بواسطة الميكروفون ومكبرات الصوت في الملعب) شعارات حركة “أوستاشي” الفاشية التي رَدّدها جمهور المُتَفَرِّجِين، بعد فوز المنتخب على أيسلندا وتأهله إلى نهائيات مونديال 2014، وكانت “أوستاشي” تَبُثُّ هذه الشّعارات خلال الحرب العالمية الثانية، وتتضمّن عبارات تدعو إلى التّمْيِيز والعنصرية والكراهية وتحقير مجموعات من البشر بسبب العرق والدين والأصل…

ظهرت الفاشية في اليونان وأوروبا الوسطى، خلال الفترة 1936-1941 (بعد انتصار الفاشية الإنتخابي في إيطاليا سنة 1923 والنازية في ألمانيا سنة 1933) وبالأخص في كل من كرواتيا والمجر ورومانيا، وكانت تدعو إلى تعزيز النزعات القومية والعنصرية، ورفض الديمقراطية (بمفهوم التعددية السياسية والنقابية والإختيار الحُر للمسؤولين)، وتعتبر حكومات كرواتيا بعد انفصالها عن يوغسلافيا امتدادًا للدولة الفاشية التي ظهرت خلال الحرب، بينما كانت قوميات يوغسلافيا الأخرى تحارب الإحتلال الفاشي الإيطالي والنازي الألماني، مع الإشارة إن رئيس الإتحاد اليوغسلافي الأسبق “جوزيب (يوسف) بروز تيتو” رائد حركة عدم الإنحياز، وزعيم مقاومة الإحتلال الفاشي والنازي، من أصول كرواتية…

نشأت حركة “أوستاشي” كمنظمة إرهابية فاشية سنة 1929، بدعم من الكاثوليكيين المُتَطَرّفين وبدعم من الحكم الفاشي الإيطالي، قبل أن يدعمها الحكم النّازِي الألماني، وتواصل وجودها ونشاطها الرّسْمِي حتى نهاية الحرب (1945) أي حتى هزيمة النّازية الرّسْمية (كدولة) وليس كعقيدة (إيديولوجيا) أو مُمارسة، وارتكب أعضاء “أوستاشي” مجازر عديدة ضد مُقاوِمِي الإحتلال النّازي والفاشي أثناء الحرب العالمية الثانية، وقتلُوا مئات الآلاف من الصرب والغجر، ومختلف الأقليات، وتدعو إلى تأسيس “كرواتيا الكُبْرَى”، المتألِّفَة من عنصر كرواتي “نقي”، عبر “التطهير العرقي” (العبارات من أدبيات المليشيا) ضد “الصِّرْب” و”الغجر” و”اليهود” و”المُسْلِمين”، مع اضطهاد “المنشقين” الكروات (أي المُعارضين لهذا النّهْج)، وأعلنت إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية تأسيس “دولة كرواتيا المستقلة” التي ساعدت قوات الاحتلال الإيطالي والألماني لقتال مجموعات المُقاومين “بارتيزان” التي انتصرت على المُحْتَلِّين، واضطرّتهم إلى الإنسحاب سنة 1944، فيما بقيت منظمة “أوستاشي” تقاوم حتى الهزيمة، وكانت لهذه المنظمة سمعة سيئة لدى المحتلّين النّازيين الألمان، بسبب الفساد الظاهر لأعضائها، وتَرأَّسَ القائد الفاشي “أنتي بافليتش” الحكومة الموالية لألمانيا في كرواتيا من 1941 حتى 1945، وقتلت مليشيات حكومته مئات الآلاف من الصرب واليهود والروما (الغجر)، ثم هرب بافليتش إلى الأرجنتين بعد الهزيمة، وتعرّض لمحاولة اغتيال سنة 1957، وتُوفِّيَ سنة 1959 متأثرًا بجراحه التي أصابته أثناء محاولة للاغتيال.

اقتصاد غير متوازن:

كرواتيا دولة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها 4,3 ملايين نسمة سنة 2017، وبكنها مَدْعُومة بِقُوّة من أمريكا ومن دول الإتحاد الأوروبي، وخصوصًا من ألمانيا (ربما بفعل العلاقات التاريخية بين مليشيا “أوستاشي” والنّازيِّين)، وتُوجّه أوروبا السائحين نحو كرواتيا، لدعم اقتصادها، وانضمت كرواتيا إلى حلف الناتو عام 2009 وكعادتها ضغطت أمريكا على أوروبا لقبول انضمام كافة بلدان أوروبا الوسطى والشرقية إلى الاتحاد الأوروبي بعد انتمائها إلى الحلف الأطلسي، رغم عدم توفّر الشروط، وانْضَمّتْ كرواتيا إلى الإتحاد الأوروبي سنة 2013…

انهار اقتصاد كرواتيا بعد انهيار الدولة الإتحادية اليوغسلافية، وضَخّ الإتحاد الأوروبي (خاصّة ألمانيا) استثمارات وودائع هامة في اقتصاد الدولة الفتية، شرط الإنتقال من رأسمالية الدولة (أو ما كانت تُسَمِّيه يوغسلافيا “اقتصاد اشتراكي” أو “التّسْيِير الذّاتي للمؤسّسات”) إلى اقتصاد السُّوق وخصخصة القطاع العام والمرافق، وبلغت نسبة نمو اقتصادها 4% سنة 2007 و5% سنة 2008، أي قبل الأزمة المالية، وانخفض معدل البطالة من 14,7% من قوة العمل (القادرين على العمل) سنة 2002 إلى 9,1% سنة 2007، ولكنه ارتفع من جديد بفعل الأزمة الإقتصادية الحادة إلى 13,7% بنهاية 2008، بسبب هشاشة البُنْيَة الإقتصادية للبلاد، حيث يُساهم قطاع الخدمات بنحو 66% من إجمالي الناتج المحلي الكرواتي و64,5% من القُوى العاملة سنة 2010، وفق صندوق النقد الدّولي، ويمثل القطاع الصناعي 27% (32,8% من قُوّة العمل) والقطاع الفلاحي 6,8% من إجمالي الناتج المحلّي و2,7% فقط من إجمالي قوة العمل،  أما أهم مُكَوّنات القطاع الصناعي فهي بناء السفن وتجهيز الأغذية والمستحضرات الصيدلانية وتكنولوجيا المعلومات والصناعة الكيميائية الحيوية وصناعة الخَشَب… يُعاني الإقتصاد أيضًا من ارتفاع الدّين العام من 11 مليار يورو سنة 2004 إلى 34 مليار يورو سنة 2011 أو قُرابة 90% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يُعاني من عدم توازن القطاعات الإقتصادية، حيث لا يتجاوز عدد سكان البلاد 4,3 ملايين نسمة، فيما يفُوق عدد السائحين عشرة ملايين نسمة سنويًّا… وخلافًا للمظاهر وللصور الفوتوغرافية التي تُرَكِّزُ على الشواطئ والمناظر الطبيعية وتراث يوغسلافيا المعماري والثقافي، فإن كرواتيا ورثت عن القُوى الفاشية التي حكمَتْها خلال الحرب، صناعة عسكرية يفُوق وزنها وزن عدد من القطاعات الأخرى، وصَدّرت البلاد سلاحًا ومعدّات عسكرية سنة 2010، بقيمة 120 مليون دولارا مُعْلَنَة، لأن كرواتيا مركز لتخزين وتوزيع الأسلحة للمنظمات الإرهابية، بإشراف المخابرات المركزية الأمريكية، ولا تزال كرواتيا أحد أهم مصادر السّلاح الموجّه إلى المنظمات الإرهابية في سوريا (إلى جانب بولندا ورومانيا وبلغاريا) وتشملال صناعة العسكرية الكرواتية الأسلحة والمركبات والمسدسات والأسلحة الشخصية والأزياء والخوذات والدّروع وغيرها، كما يُساهم جيش كرواتيا (العضو في حلف شمال الاطلسي منذ سنة 2009) في غزْو واحتلال البلدان الأخرى، سواء باسمالأمم المتحدة أو باسم التحالفات العدوانية التي تقودها أمريكا وفي سنة 2011 كان حوالي ستمائة جُنْدِي كرواتي في بلدان أجنبية سواء باسم قوات “حفظ السلام” أو باسم حلف شمال الأطلسي (أفغانستان) ولكرواتيا قوات في هضبة الجولان السورية التي يحتل الكيان الصهيوني جُزْءًا منها (حوالي مائة جُنْدِي)

علاقات كرواتيا بالكيان الصهيوني:

عملت الولايات المتحدة على تشريك الكيان الصهيوني في تطوير ومُلاءَمة الطائرات الحربية الأمريكية، وفق طلبات الزّبائن، ويبيع الإحتلال هذه الطائرات أو طائرات قديمة أُعِيد تأْهِيلها، إلى أصدقاء الولايات المتحدة، وسبق أن باعت دولة الإحتلال طائرات حربية من طراز “سكايهوك” الأمريكية إلى جيش أندونيسيا (أكبر دولة بها مُسْلِمُون)، وصادقت أمريكا على بيع كرواتيا سربا يتكون من 12 من طائرات “أف 16” المُسْتَخْدَمَة، من الفائض الموجود لدى الجيش الصهيوني، بقيمة 500 مليون دولار (أواخر آذار/مارس 2018)، لأن سلاح الجو الكرواتي (الذي أصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي منذ 2009)، يستبدل  طائرات “ميغ 21” الروسية بطائرات “غربية”، وكانت العلاقات قد توثّقت مع الكيان الصهيوني منذ انفصال كرواتيا عن يوغسلافيا، وتَعَزَّزَ التعاون العسكري بينهما، لذلك فَضّلت حكومة كرواتيا التعامل مع الكيان الصّهيوني، بدل التعامل مع الدول التي تنافست على الفوز بهذه الصفقة، ومن بينها كوريا الجنوبية واليونان والسويد تنافس إسرائيل على هذه الصفقة، وسيشرف جيش الإحتلال الصهيوني (نيابة عن الجيش الأمريكي) على تدريب جنود كرواتيا، وعلى تطوير الأنظمة  الإلكترونية والحرب “السيبرانية”، ويتوقع أن يستمر تشغيل الطائرات لمدة 30 عاما، ويستمر معها إشراف الجيش الصهيوني (إن بقي موجودًا لثلاثة عقود أخرى) على التدريب واستبدال وتركيب قطع الغيار…

قد يعجبك ايضا