صفقة القرن بين الاردن الكبير وغزة الكبيرة / بكر خازر المجالي

د.بكر خازر المجالي ( الأردن ) السبت 7/7/2018 م …
** ينشر ” الأردن العربي ” هذا المقال للكاتب بكر خازر المجالي دون تدخّل لإطلاع جمهور القرّاء والمتابعين والمتصفحين على ما احتواه من ( بعض ) المعلومات ، ذلك أن الكاتب يعتبر على نطاق واسع أنه قريب من مركز القرار في الأردن …



لم نصل بعد الى كل تفاصيل صفقة القرن ، ولكن تتلخص في اربعة بنود :
اولها تأجيل ملف القدس
والثاني ضم حوالي 20% من اراضي الضفة الغربية الى الاردن لتكوين دولة الاردن الكبير ،
والثالث اضافة حوالي 700كلم مربع من ارض سيناء الى غزة لتكوين دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتكون باسم دولة غزة الكبيرة .
والرابع الاعتراف المتبادل واقامة علاقات اسرائيلية مع اكثر من 50 دولة عربية واسلامية.
ربما هذه الملامح الاولى لصفقة القرن التي بدأ التخطيط لها منذ عام 2016 وتحديدا في 21 شهر شباط في قمة العقبة التي جمعت جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية الامريكية حينها جون كيري ورئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ،وسبقها اجتماع بين جون كيري ومحمود عباس في عمان صباحا قبل ان ينتقل كيري الى العقبة بطائرة عسكرية مروحية اردنية لينضم الى الاجتماع هناك والملاحظ ان هذا الاجتماع اتخذ طابع السرية المطلقة حينها .
في هذا الاجتماع قدم نتنياهو مشروعه الذي لا يأتي فيه ذكر اسم فلسطين مطلقا ، وانه مستعد للتفاوض على اساس مبادرة السلام العربية 2002 ،وقدم جون كيري ايضا مشروعه الذي حمل اسمه ودعا الى دولة فلسطينية وتطبيع كامل في العلاقات ولكن ان تكون دولة منزوعة السلاح مع امكانية صناعة عاصمة فلسطينية في ضواحي القدس على بعد 6 كلم شرقا في ابو ديس والعيزرية .
بعد قمة العقبة التي هي اساس صفقة القرن ، سارت المفاوضات والاتصالات في عهد الرئيس الامريكي السابق اوباما بشكل متقطع وبطيء ، ولكن مع قدوم ترامب الى السلطة اصبح الامر دراماتيكيا متسارعا وجاء القرار بضرورة البدء بتنفيذ صفقة القرن بعد نقل السفارة الامريكية الى القدس . ( للعلم هناك مشاريع سابقة قديمة منذ عام 1967 بذات الاهداف وسيتم التطرق اليها )
بدأت التسريبات التي الان ما عادت سرا عن تفاصيل صفقة القرن ، ولكن ما هو خطير ان هذه الصفقة قد الغت تماما مفهوم الدولة الفلسطينية والغت مفهوم حل الدولتين التي ترى اسرائيل فيه انه يضرب النظرية الامنية الاسرائيلية ، اضافة الى تراجع الملف الفلسطيني على حساب ملف جديد اصبح هو العامل الرئيسي الذي يؤثر في هذه الصفقة وهو التهديد والخطر الايراني ،
والفرضية التي طرحتها الادارة الامريكية ويركز البعد العربي عليها الان تقول : ان مواجهة التهديد الايراني يحتاج الى بناء تفاهم وحلف امريكي سعودي اردني اسرائيلي مصري ، وان هذا الحلف لا يمكنه ان يظهر واسرائيل بعيدة ولا زالت في صراع وتخشى على نفسها من تهديدات فلسطينية وتهديدات ايران واعوانها وعدم استقرار الداخل ونشاط اهل غزة المستمر .. لذلك فان المحور الذي فيه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لاعبا رئيسيا ، يركز على ضرورة الاسراع في تنفيذ صفقة القرن وخلق استقرار في المنطقة خاصة مع تعقيد المسألة اليمنية والتهديدات الجنوبية على المملكة العربية السعودية المدعومة بشكل رئيسي بتدخل مباشر وغير مباشر من ايران ،ثم ان المشكلة ذاتها موجودة في الملف السوري الذي تلعب في ايران دورا مؤثرا و الذي يقترب من الحسم ولكن سيكون الحسم بتكاليف باهضة من الدمار وحصد ارواح البشر ومعاناة يواجهها الاردن وجيشنا العربي الاردني في حماية الحدود بمهمة دقيقة ونحن على ثقة تامة بجيشنا العربي في مواجهة الازمة. ،
صقة القرن التي لا نعرف ان صاحب مصطلح ‘صفقة القرن ‘ هو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي قال بعد اجتماع مع الرئيس الامريكي في واشنطن في 12 شباط 2017 :’ السلام بين اسرائيل و فلسطين سيكون صفقة القرن ‘ . وكان هذا التصريح ضمن مقترح مصري على اساس خطة تعبيد طريق السلام الشامل .
لذلك نحن نعيش حالة من النقاش غير الواضح ،حالة من القلق الشديد على مستقبل المنطقة ، ونحمل احيانا هذه الصفقة اكثر مما تحتمل لاننا نعيش حالة من الانهزام والضعف ،وندرك تماما ان السياسة لا تعتبر الانسانية ولا التاريخ في تنفيذ اجنداتها ، واعتدنا على الذبح بالجملة لابناء العرب في سوريا وفي اليمن وغيرها وكأن الامر عاديا ،
ولكن ،لم تكن صفقة القرن الان هي وليدة لحظتها ، فبعد حرب حزيران 67 اقترح الرئيس المصري عبدالناصر توطين 60 الف فلسطيني في سيناء وكان الهدف هو ان تكون هناك جبهة رابعة للمقاومة ضد الاحتلال تنفتح على حدود غزة ،وجاء هذا متزامنا ومتوافقا مع خطة ‘ آلون ‘ للتوطين في سيناءمع اختلاف الهدف . وقد فشل الاقتراحان. ومن ثم جاءت خطة يوشع بن آريه (استاذ الجغرافيا في معهد ترومان في القدس ) عام 2003 بتمديد حدود غزة حتى العريش وتبعه مشروع غيور ايلاند (جنرال احتياط رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي ) الذي يقترح تخصيص 600 كلم مربع لتوطين الفلسطينيين مقابل اعطاء مصر 200كلم مربع من ارض النقب واجراء مناقلات في الاراضي والوصول الى دولة فلسطينية مستقرة بشروط اسرائيلية .
ويربط الكثيرون بين الانسحاب الاسرائيلي من غزة عام 2005 ومخطط صفقة القرن ، لان اعتبار غزة هي الوطن البديل القادم ضمن صفقة توسيع الارض وتطوير غزة ليكون فيها ميناء ومطار مع السماح بالتنقيب عن الغاز في ذات المنطقة ضمن المساحة الجديدة التي ستصل الى 720 كلم مربع واضافة 24 كلم طولي على ساحل المتوسط الجنوبي مع مياه اقليمية بعمق 9 أميال.
وظهرت ملامح صفقة القرن ضمن تفاهمات (عباس اولمرت ) في عام 2006، وتركزت المباحثات على شكل الدولة الفلسطينية القادمة ووقف الاستيطان وموضوع القدس استنادا الى بنود اوسلو الثانية التي كانت في ايلول 1995 والتي هي اساس القرار الامريكي لنقل سفارة واشنطن الى القدس .
ولكن في صفقة القرن الحالية التي لا نعرف نهاية لها ،مع عدم وضوح البداية وان كانت في نقل السفارة الامريكية الى القدس ، سنرى اقتراحات ومشاريع تمس اساس المنطقة ، وهي تركز على البعد الاقتصادي ومحاولة ادخال التنمية على حساب المطالب السياسية ، فهناك اسقاط لحل الدولتين ،واسقاط لفزاعة الوطن البديل والتحول من الاردن الى غزة الجديدة التي ستتجاوز مساحتها الالف كلم مربع ،واسقاط لمصطلح فلسطين سياسيا ،والتوجه نحو المسار الاقتصادي بذكر منافع الصفقة بدءا من مشروع النيوم في شمال السعودية والمجاور لفلسطين على امتداد كامل خليج العقبة حتى شرم الشيخ ، والاشارة الى ان منح جزيرتي صنافير وتيران الى السعودية هما على مساس بالامر ، ومن ثم سيكون هناك نفق من مصر الى الاردن بالقرب من ايلات بطول 10 كلم ويؤمن للاردن اطلالة على البحر المتوسط عبر ميناء غزة مع وجود خط سكة حديد وخط انبوب للغاز وخط نقل نشيط ونقل كهرباء فيه ،وسيكون منفذا تجاريا للعراق وبعض دول الخليج ،
ولكن تبقى الاسئلة التي تفرض نفسها ، هل نحن امام مشروع تقسم جديد للعرب والمنطقة على خلاف مشروع تقسيم فلسطين رقم 181 لسنة 1947 والذي تتم الاشارة اليه الان ايضا في صفقة القرن ؟
كيف سنستفيد ونعتبر من حوادث التاريخ السابقة بتعاملنا مع قرارات الحل والتقسيم والتي كانت العقلية العربية المتصلبة هي بالمرصاد فزادت الخسارة وتراكمت المآسي علينا ؟
كيف سنتعامل مع ثوابت في صفقة القرن مثل : ان لا دولة فلسطينية كاملة على الاطلاق ،وان لا سلطة مطلقا على حدود نهر الاردن لغير الجيش الاسرائيلي وان لا تفاوض حول القدس بحدودها المعروفة ولا عودة لحدود 67.
هل يمكن ان نتبع سياسة خذ وطالب ؟ وهل نعتمد على سياسة النفس الطويل مع العلم ان الوقت هو ليس في صالح العرب ؟
وهل يمكن ان يكون لنا صفقة قرن عربية نواجه بها كل القرون التي تريد نطحنا وأن تبقرنا وتقبرنا ؟
هل يمكن ان نبني سياسة توعوية ثقافية وطنية في مواجهة الخطوب تقوم على اساس الامل والثقة في المستقبل؟
علينا ان لا نفقد الامل وان نتبنى سياسة الاعتقاد بان النجاح حليف المثابر والصابر الذي لا يتحدث عن الاحباط واليأس بل يتطلع الى التفوق على الصعاب والتحديات وندرك ان الثابت الان هو ان الاردن لا يقبل الا ما يقبل به الفلسطينيون …

قد يعجبك ايضا