حول المشروع الوطني الفلسطيني / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( فلسطين ) الأحد 3/6/2018 م …




” إن أي كاتب أو مثقف عندما يقوم بتشخيص الوضع من وجهة نظره, فإنه لا يملك ولن يملك حق ادّعاء امتلاكه للحل السحري لمعضلات هذا الواقع بقدر ما يحاول توضيح معالم الطريق, هذا الذي يظل مرهونا برغبة المقررين فيه والهيئات القادرة على تحويل القرارات إلى صيغ عمل فعلية. لذلك فالحلول مرهونة دوما بالرؤية الجماعية.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبالفعل, فإن المشروع الوطني الفلسطيني عموما في تراجع , لولا شعلة الأمل التي يضيؤها أهلنا في غزة بمسيرة عودتهم المستمرة. من ناحية ثانية, فإن حجم التضحيات والمعاناة الهائلة (التي يصعب على البشر تحملها, وتحملناها ), لا تتواءم مع كمّ الإنجازات التي حققها مشروعنا الوطني! هذا لا يعني التقليل منها بالطبع. بالمقابل, وللارتباط الكبير بين الخاص الوطني والعام القومي, فإننا نتأثر بالأحوال العربية, التي ليست بحاجة إلى توصيفها, فهي واضحة وجليّة لكل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج. بالفعل إننا أمام آفاق مسدودة للتسوية, ورغم ذلك يتمسك البعض منا بنهج المفاوضات العبثي. إننا نواجه انقساما, بوجود سلطتين متنازعتين على لا شيء. هدنة بين السلطتين والكيان, عمليات مقاومة محدودة, استيلاء صهيوني متدرج على الأرض الفلسطينية, استيطان يتزايد, غياب ملحوظ لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية,انعدام وجود برنامج استراتيجي يشكل قاسما مشتركا بين جميع الفصائل ,بيانات استنكار لجرائم العدو الصهيوني, أصبحت مملة إلى الحد الذي لا تشجعك فيه على إكمال قراءتها, لأنك تبصم المضمون غيبا لكثرة ما تردده البيانات, جماهير عربية محبطة, قوى التغيير ضعيفة. انعدام اتفاق القوى الوطنية والقومية واليسارية العربية على برنامج حد أدنى يوحد الجميع على المجابهة, ضغوطات أميركية على النظام الرسمي العربي, وعلى السلطة الفلسطينية لصالح التسوية الإسرائيلية من خلال “صفقة القرن” التصفوية.
عند التطرق للأسباب, من السهولة بمكان إلقاء التبعات على “نظرية المؤامرة” فهذا جزء من الصورة, ولا ننكر ذلك , ولكن الجانب الأبرز الآخر في الصورة, هي العوامل الذاتية, فمثلا أمام لوحة الوضع الفلسطيني والعربي الحالية, فإن التساؤلات التالية تطرح مشروعيتها الكبيرة: ألا نحتاج إلى هزّة (ولا نقل انتفاضة أو ثورة, مع وجوب ذلك) في الفصائل الفلسطينية وعموم اتجاهات القوى العربية؟ ألا تحتاج هذه القوى إلى مراجعة برامجها ومدى استجابتها ومجابهتها لتحديات الواقع؟ ألا تحتاج إلى صيغ عمل جديدة تستفيد من أخطاء الماضي على المستويين القطري والقومي؟ ألا تحتاج إلى برامج سياسية مستندة إلى التحليل النظري- الفكري للواقع ومستجداته اليومية التي لا تتوقف عند حد؟ ألا تحتاج إلى خطاب سياسي جديد؟ خاصة أن الوضع الشعبي الفلسطيني, والآخر العربي مهيّأ للفعل, بدليل أنه الأسبق إلى المجابهة, سواء بالنسبة لمقاومة العدو الصهيوني أو على الصعيد العربي, إذا ما جرى التركيز جماهيريا على عمومية الخطر الصهيوني ليس على الفلسطينيين فحسب ,بل على العالم العربي بأجمعه. بالفعل, ما أسهل توجيه التهمة للآخرين, وما أصعب الاعتراف بخطأ وتقصير الذات, هذه إحدى معادلاتنا العربية في زمن الخسوف.
أيضا, ما زلنا نعاني في الساحة الفلسطينية من تحديد الفهم النسبي للثوابت الفلسطينية ضمن الإطار العام المشترك, فلا مانع لدى البعض منا التخلي عن منطقة 48, نعم, هناك انعدام لوجود المرجعية للنضال الفلسطيني في ظل تعطيل مؤسسات منظمة التحرير, وفي ظل عدم دخول بعض الفصائل الأساسية لمؤسسات المنظمة, مع أن المعادلة المطلوبة يتوجب أن تكون, كل طرف يناضل من أجل أدنى حدود الوحدة مع الآخر, هذا يقتضي تنازله قليلا لا عن الثوابت بالطبع ,وإنما عن نسبة (حصة) تمثيله, الانشداد في مرحلة التحرر الوطني يتوجب أن ينطلق من شعار السيطرة للبرنامج, وليس للفئة, فالفئوية مثل فيروس نعاني منه في ثورتنا الفلسطينية المعاصرة . ما زلنا نعاني من نتائج اتفاقيات أوسلو الكارثية, رغم أن شارون أعلن وفاتها عند إعادة اجتياحه للضفة الغربية, والبعض من فصائلنا لا يزال يتصورها وجودا حيّا, فيعلّق العمل بها فقط, ولا يلغيها وتداعياتها بقرار واضح!.
إن أي كاتب أو مثقف عندما يقوم بتشخيص الوضع من وجهة نظره, فإنه لا يملك ولن يملك حق ادّعاء امتلاكه للحل السحري لمعضلات هذا الواقع بقدر ما يحاول توضيح معالم الطريق, هذا الذي يظل مرهونا برغبة المقررين فيه والهيئات القادرة على تحويل القرارات إلى صيغ عمل فعلية. لذلك فالحلول مرهونة دوما بالرؤية الجماعية. المهم هي العوامل التالية: الاعتراف بالأزمة, التفاعل الديناميكي مع المستجدات اليومية والمرحلية, الميل في التحليل إلى استشراف المستقبل وليس تأكيد المواقف من الأحداث السابقة, التجديد في الصيغ وأساليب النضال الفعلي, معرفة العدو ومتغيراته السياسية, تناقض شارعه, حدود تسويته, عوامل قوته,ثغراته ومداخل ضعفه, وفي النهاية الصيغ الجمعية في النضال الفعلي المؤثرعلى العدو من خلال اللغة التي يفهمها وهي نهج الكفاح المسلّح. وقبل كل ذلك: استراتيجية النضال والحد الفاصل بين تخومه والحركة في التكتيك السياسي, الذي يصب في مجرى الهدف الاستراتيجي في تحرير فلسطين كاملة.
تحت لواء جبهة التحرير الفيتنامية انضوت وناضلت 22 جماعة وحزبا فيتناميا (من الجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية وصولا إلى الحزب الشيوعي والبوذيين), بعد التحرير وفي مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي, انفكّ التحالف وظهر التناقض الذي ظل ثانويا بين برامج الأحزاب, وظل الشعب الفيتنامي من خلال التصويت هو الحكم الأول والأخير على هذا الحزب أو ذاك, هذا هو القانون. ندرك خصوصية الوضع والنضال الفلسطيني مقارنة مع كل التجارب الأخرى, واستثنائية العدو الذي نجابه, لكن هذه الاستثنائية يتوجب أن تكون الدافع مضاعفا عشرات المرات لتعزيز صيغ النضال الجمعي والقواسم النضالية المشتركة, وليس لما هو عليه الآن. نعم, هناك أزمة مشروع وطني فلسطيني: أزمة بنيوية, أزمة قيادة و برنامج, أزمة صيغ, أزمة خطاب سياسي,أزمة نهج, أزمة فعل وغيرها, وقبل كل ذلك, أزمة ثقة.

قد يعجبك ايضا