نستدعي همم الرجال ولا نبكي على الأطلال / شاكر زلوم

شاكر زلوم ( الأردن ) الأحد 13/5/2018 م …




في الذكرى السبعين لحلول كارثة فلسطين احتفلت سفارة العدو الصهيوني في القاهرة بذكرى تأسيس كيانها على أرض فلسطين العربية بمشاركة بعض دول أعراب الخليج وبالتوازي تعالت أصوات في السعودية تبارك للصهاينة عدوانهم على سوريا, لم تقتصر الأصوات على كتبة القصر بل انتقلت الى المؤسسة الكهنوتية الوهابية برموز أحبارها الكبار, انتقلت عدوى الصهينة من السعودية لأتباعها البحرين فقرر وزير خارجيتها أن يبارك العدوان الصهيوني الغاشمً على سوريا الشقيقة دون اي شعور بالخجل أوالحرج, في ظل هذه العراضة الخليجية قامت صحيفة الرياض التابعة لبني سعود بالتعبير عن الفرح بعنوان يمتدح العدوان على سوريا شاركتها بعنوان مشابه صحيفة المستقبل اللبنانية الممولة سعودياً, كانت دويلة الإمارات العرابة فسبقت الجميع في التطبيع وبالتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني, ما ورد ليس إلآ بعض من فيض من ما تم ويتم في العلن وما يتم في الخفاء أعظم وأكبر وأخطر, هذا هو حالنا, لقد تخندق أعرابنا في خندق الأعداء وبات العدو صديق والصديق عدو فلا حول ولا قوة إلآ بالله.

لم تكن بيوم من الأيام قضية فلسطين لهؤلاء همٌ وطني ولا شأن ديني عقديّ ولم تكن لغيرهم أيضاً من النظم الوظيفية التي تأسست لتأمين كينونة الكيان ولإدامة احتلال فلسطين فتكليفهم الوظيفي حدد لهم الشروط والتعليمات الواجبة الإتباع وما هو واجب وجب العمل لتحقيقه فتكليف المُكلف أمر بل طاعة وعبادة بالنسبة لتلك النظم والمُكَلِف هو ربٌ معبود سواءًا كان إسم المُكَلِف (ترامب) أو (نتنياهو) فيما بعد.

لن أناشد تلك النظم الإفتراضية فلا أمل منهم ولا رجاء يا يرعاكم الله, بل أناشد العرب التي مُررت عليهم كذبة أن فلسطين ليست قضيتهم, فالكتبة المرتزقة لم يوفروا وسيلة من وسائل الإسائة لفلسطين إلآ واستخدموها بدءًا من الأساطير التلمودية ومروراً بالدعاية الصهيونية ووصولاً ل(إبداعاتهم) في خلق الجديد من الإفترائات والترهات, لقد وصل بهم الأمر تسمية سورة الإسراء بسورة (بني إسرائيل), لقد استحضروا حديث آحاد من الإسرائيليات على لسان أم المؤنين عائشة لم يُعمل بها طوال أربعة عشر قرنٍ خلت فاستحضروا التسمية من بين صفحات البخاري بصورة حديث آحاد, نعم لقد تذكروا التسمية وقاموا بطباعة مصاحف مستبدلين إسم سورة (الإسراء) بسورة (بني إسرائيل) وقاموا بتوزيعه على بعض بلدان العرب والمسلمين في العالم, للعلم قامت المؤسسة التلمودية الوهابية السعودية بتسويق التسمية الجديدة عبر أحبارها وكهانها على مواقع الفتوى الخاصة بهم, ما يسمى بأحاديث الآحاد لا يُعتد بها وهي لا تلزم العمل بها حسب فتوى للأزهر الشريف.

عودة على بدء,,  لن أناشد احداً ان تكون فلسطين قضيته فمن لم تكن الإنسانية أوالدين أوالعقيده أو الأخلاق أوالعروبة قضيته فلتكن مصلحته ومصلحة أبناءه وأحفاده قضيته وهذا اضعف الإيمان وإلا فما الفرق بين الإنسان والحيوان؟

لقد كانت أولى كلمات الكتاب كلمة (إقرأ) ولقد أمرنا الله بالتفكر والتدبر بينما حولت المؤسسات الكهنوتية الوظيفية كل ما ورد بمتن الكتاب لنقيضة فالفكر ممنوع واستخدام العقل للوصول للحقيقة محجور والبحث في ما ورد في كتب الموروث محظور حتى لو جاء بكتب الفقه والموروث ما هو محرم وممنوع, لقد ورد الجهاد في القرآن لرد العدوان فحولته المؤسسة الكهنوتية لعنوان شر وعدوان على الإنسان, لم تصدر المؤسسة الكهنوتية الوهابية فتوى لجهاد عين في فلسطين بينما الجهاد فيها فرض عين حسب ما ورد في محكم الكتاب (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)البقرة , هذه الآية هي النص التشريعي (الدستوري) الذي يبيح القتال وهي تنطبق على محتلي فلسطين وعلى المستعمرين ولا على أحد غيرهم, فاين هم من أحكام كتاب الله؟؟

قضية فلسطين لم تكن لإستهداف الفلسطينيين فقط لأن الإستهداف كان للسيطرة على موارد وثروات كل بلاد العرب والمسلمين, هذا ما ورد بوثائق مؤسسي الكيان المسمى (إسرائيل), للإستئناس ساستشهد بسياق هذا المقال بما ورد بوثائق مؤتمر (كامبل بنيرمن) في العام 1907 , لم يكن مؤتمر (كامبل بنريرمن) المحاولة الأولى بل سبقته محاولات إستعمارية أهمها بإيجاز:

–         في العام 1798 كانت حملة نابليون على مصر, تم احتلال مصر وليتمكن نابليون من تثبيت إحتلاله ادعى الاسلام بهدف التمكن من احتلال مصر وليتمكن من إحتلال فلسطين بعد ذلك لاعتبارات مصلحية تتطلبها مصلحة فرنسا الإستعمارية, ولأن الغاية تبرر الوسيلة ادعى نابليون الاسلام وقام بتغيير أسمه ليصبح (علي نابليون) ولتمرير هذه الكذبة ذهب نابليون للأزهر ليخطب في الناس فخطب خطبته العصماء كما تقول الوثائق التاريخية التي قال في مقدمتها:

”بسم الله الرحمن الرحيم،لا اله الا الله وحده ولاشريك له في ملكه,ايها المشايخ والأئمه,قولوا لأمتكم ان الفرنساوية هم أيضاً مسلمون”, بسياق موازٍ كانت بريطانيا قد صنعت الدين الوهابي واسست الدولة الوهابية الأولى في الجزيرة العربية أي الدولة السعودية الأولى , اي أن الصراع بين الاستعمارين الأهمين كان بذلك الزمن وجد أن توظيف الدين يخدم مصالحهما ويحقق أهدافهما في السيطرة والهيمنة على منطقتنا, بذلك الوقت كانت الدولة العثمانية تعيش اضعف حالاتها فكانت مطمعاً للمستعمرين, ما اشبه اليوم بالأمس فصناعة بعض التنظيمات الإسلاموية ينتج مكاسب لا حد لها وولا حصر لدول المستعمرين.

–         في العام 1799 م. ارسل نابليون حملته لاحتلال عكا فتحطمت جيوشه على اسوارها وبعكا اطلق نابليون بونوبارت لأول مرة دعوته لاقامة كيان لليهود,

في عكا خطب نابليون في يوم 4 نيسان/ أبريل من العام 1799م. ودعى لقيام كيان يهودي في فلسطين, وردت خطبته كرسالة لليهود للعودة لفلسطين فقال:

يا ورثة فلسطين الشرعيين .

الأمة العظيمة(فرنسا) تناديكم .

لتستردوا ما سلب منكم بالغزو .

أسرعوا.

لقد حانت اللحظة للمطالبة باسترداد حقوقكم المدينة وكيانكم السياسي كأمة إلى الأبد. ”, ورثة فلسطين المعني بهم اليهود.

لا يتورع الاستعمار من استخدام اي وسيله في سبيل هيمنته على الشعوب الأخرى فإستخدام الاسلام او اليهودية أو المسيحية أو صناعة أديان جديدة طالما الأمر تقتضيه مصلحته.

اما لماذا فلسطين دون غيرها؟

بعد هزيمة نابليون في عكا و بعدها في مصر هزم نابليون بمعركة واترلو “18 يونيو(حزيران) 1815 ” وبانتصار بريطانيا تولت هي المهمة القذرة وهي سيدة كل المهمات القدزرة عبر التاريخ, حاولت بريطانيا بعد ذلك مع الباب العالي اقناع السلطان العثماني ببيع فلسطين لليهود, أرسل وزير خارجية بريطانيا “بالمرستون” رساله إلى سفيره في إستانبول، بتاريخ ۱۱ أغسطس (آب) ۱٨٤۰م، مطالباً نقل رسالته الى السلطان العثماني ,جاء بالرسالة: “فإذا عاد الشعب اليهودي تحت حماية ومباركة السلطان، فسيكون في هذا حائلٌ بين محمد علي ومن يخلفه وبين تحقيق خطته الشريرة في المستقبل“ بمعنى أن خطة “محمد علي” الشريرة هي وحدة مصر وبلاد الشام, ادرك حكام مصر القديمة أهمية وحدة بلاد الشام ومصر فكان معيار قوة مصر هو علاقتها بالشام، حين خسرت مصر الشام في عهد (أخناتون) تدهورت قوتها وحين استعادها (حور محب) استعادت قوتها. أدرك محمد على أهمية بلاد الشام فوحد مصر معها من الأعوام (1831-1833) حينها كانت قوة مصر باوجها وحين خسرها خسرت قوتها, لا بد أن لا ننسى جنون الغرب الاستعماري من وحدة مصر الأولى (محمد علي) مع بلاد الشام في العام 1831 ولا جنونه من وحدة جمال عبد الناصر مع سوريا في العام 1958 وكيف صنع حلف بغداد لصد عبد الناصر,

أما لماذا فلسطين؟ فسأترك الإجابة لدول الإستعمار السبع التي اجتمعت في لندن في عام 1907 وهي ( بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال) وأصدرت مقرراتها, واليكم ما توصلوا اليه, توصلوا إلى نتيجة مفادها: “إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات”. والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة: ” ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان”.

وأبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر:

1- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة:

وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول.

الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها.

الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

2- ومحاربة أي توجه وحدوي فيها:

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي فيما بعد دولة (إسرائيل) واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.

فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما يبقى العرب في حالة من الضعف,

هذا المؤتمر وخلاصاته يشخص حال أمراضنا المستعصية فحالة اللا أمن والإستقرار التي نعيشها مستدامة حالها كحال الفقر والبؤس الذي نحن فيه, أسس الكيان وأسست معه كيانات وظيفية لتحميه, بعضها تجمل بعبارات للتغطية بينما بعضها الخليجي لم يعد يعنيه ذلك,لقد تجاوزت نظم الأعراب مشغليها وفقاً للقول “فاق العبد سيده” في مواقفه المعادية لأمته.

ان بحثتم بعناوين كل المشاكل التي عانينا ونعاني منها منذ صناعة الكيان وليومنا فستجدون أن وجود (إسرائيل) هو السبب ووجود كيانات (العرب) الوظيفية لا يقل شئناً عن أهمية الكيان فهم البقرة الحلوب والخادم المطيع وهم الأدوات لتحقيق الغايات, في العام 1932 حين أسست بريطانيا مملكة بني سعود بارك تشيرشل لوايزمن قائلاً له: لقد تم انجاز صناعة نصف (إسرائيل).

في العام 1956 حاربت دول الإستعمار مصر لتأميمها القناة بعدما امتنع البنك الدولي من تأمين قرض لبناء السد العالي فأممت مصر الناصرية قناة السويس لتأمين تمويل تنفيذ مشروع السد العالي بالغ الأهمية لتنمية إقتصاد مصر فمنع التنمية ورد بمقررات مؤتمر (كامبل بنيرمن) , أليست محاربة البرنامج النووي العلمي الإيراني هو إعمال لمقررات مؤتمر (كامبل بنيرمان)؟ أليس الإضطراب الدائم هو ما تتصف به بلداننا فما أن نخرج من مشكلة لتبدأ أخرى؟ أليس الجهل وتخلف المناهج في دولنا العربية هو إعمال لمقررات مؤتمر (كامبل بنيرمن)؟ أليس الفساد في بلادنا ضارب الجذور حتى تحول لأقوى المؤسسات العربية القائمة؟, دققوا بكل كلمة وحرف وردت بمقررات (كامبل بنيرمن) لتكتشفوا أن كل مقرراته نفذت وتنفذ خلال القرن المنصرم وحتى ايامنا هذه, لقد قدمنا عشرات ملايين الشهداء ولا يزال نزيف الدماء ينهمر كشلالات الماء؟, أليس حالنا الإقتصادي يتجه من السيئ للأسوأ فلا تنمية ولا رخاء؟ أليس دولاراتهم تتغطى ببترولنا بينما نحن عراة بلا عطاء؟ هذا بعض من فيض ما سببه الكبان الصهيوني لنا. أن كلفة إزالة  كبيرة لكن كلف بقائه أكبر بكثير من كلف إزالته.

أليس ما حصل ويحصل في العراق,سوريا واليمن وفلسطين هي كلف ندفعها  يومياً كثمن لوجود هذا الكيان؟.

من ما ورد بنصوص (مؤتمر كامبل) يتضح أن الإستهداف لم يكن للفلسطين وحدهم دون غيرهم بل هو استهداف للأمتين العربية والإسلامية, يستهدف حاضرنا ويستهدف مستقبلنا لضمان نهب موارد بلادنا, المنظومة الإمبريالية المتحكمة في العالم لا تتكلم إلآ عن نهب ثرواتنا وأموال شعوبنا وما تصريحات (ترامب) الوقحة التي نسمعها كل يوم إلآ دليل ومثال, الإنتصار لقضية فلسطين هي انتصار للذات وهي إنتصار للإنسانية بل هي عزة وفخار فشتان ما بين العيش بعزة وكرامة أو العيش ببؤس ومذلة يا يرعاكم الله.

قد يعجبك ايضا