إنها تذكرة! ( قصة قصيرة ) / هنادي الصدر

هنادي الصدر ( الأردن ) الجمعة 11/5/2018 م …



أستاذي الذي كان يسكن عند البحر. .
كانت نافذة أستاذي تطل على ذاك الشاطيء القبلي الذي كنت اعمل فيه وفي خفاء عن عائلتي إلى وقت غير معلوم. .
ماذا لو كانت سعادتي هي خدمة  في صحبة أستاذي
 ظل يخاطب نفسه في اليوم أكثر من مرة هكذا احساسي يخيل لي ..!!؟؟..ما اروعه مالك ..
حين يشكرني وأحيانا لا يفعل ولم أكن أبالي ربما كان ينسى من شدة الفرح!! فهو يوصيني دائما بأن اجلب له بل وانتقي جميل الاصداف وفريدها ولم يدهشني اذا فلم يسألني مرة واحدة من ابن وكيف أحضر الاصداف!؟ بل فقط يؤكد لي الانتباه لمصلحتي. وأمر المذاكرة فلأنني كنت مطيعا ..كنت أفعل ما يأمرني به في امتنان وسرور
 عندما كنت أعطيها له بلا ثمن فهو يعدني أن يرفعني درجة درجة في كل مرة اصطدت لم احتاج أكثر من ذلك كان الثمن ابتسامة ونبرة هادئة منه فراح يتوجني ويثني على موهبة الصيد لدي. ..حين يعلي من شأني في عينه و الرفاق يحدقون ويبادلونني ذات الاهتمام فزادني نشاطا ومثابرة كان هذا أول ما اعمله في حياتي لاكتشف براعة الصيد لدي أثناء زيارة البلاج مع والدتي التي أحبت البحر وكانت تروي لي ولاخوتي قصصا كثيرة وجميلة جدا عن البحر الذي كانت تسكن عنده في طفولتها حتى دعاني حبها هذا لاكتشاف نفسي من خلال غرام امي للماضي الجميل الذي استطاعت أن تغرسه كحلم في أحلامي … للصدق أحسست بأنني امتلك مهنة أخرى لم انتبه اليها لشدة انهماكي فقط نيل الرضى. .
أستاذي لم يسألني يوما. .من علمني صيد المحار وكيف أذهب للبحر عندما كنت اتوسل لجارنا الصياد أن يصطحبني معه وما أن تحققت امنيتي لاشعر بالامن والسلام متى متى وافق أن يعلمني كتم الأسرار وحرفة الصنعة  فاتفقنا على ذلك .شريطة ان لايعرف أحد غيرنا بهذا الأمر حتى يظهره الله …ما أجمل الأمانة وخاصة بين الاصدقاء الأوفياء …
يا للمسكين بطل القصة (عزيزي مالك )
حين اتاخر عن البيت فيقلق علي ابواي واخوتي. ..وكنت أستطيع أن إقناعهم عن سبب
تأخيري هو مساعدة العم عبد الوهاب بسبيل تحفيظي بعض الدروس فبما أنني على قدر لا بأس به من الوفاء والذكاء كان الأمر يمر بحذر ومتعة شاقة. كطائر يطير بجناحيه تحت المطر
وكان أستاذي في المدرسة مولع بالاصداف الغريبة ولم تسقط عليه في الفصل قطرة ماء واحدة ربما لو حصلت معه ذات يوم لفكر .. . في أمري قليلا ليتدارك ذهني إهماله لي وان كان بغير قصد ..والأيام تمضي والبحر عشقي وابحاري وكل مرة اهدي بها أستاذي عبيد اصداف مختلفة الجمال والشكل كنت اهدي تلويحة الحنين لاسراب الموج وتحليق النوارس.
ظل المشهد الأسطوري للوحة البحر كنشيد وطني يحفزني من ناحية ومن ناحية أخرى يتحداني برغم غيابي المتكرر عن البيت الذي يبعد كثيرا عن البحر .لكن البحر أقرب لقلبي
فماذا حصل لي
 وفجأة. .يا للهول وللأسف  فهل تصدق يا عبد الوهاب بأن أستاذي ماعاد يأخذ اصدافي
 هذا بدأ معي عندما جاءت سلمى. .تلميذة غريبة وجديدة  إلى المدرسة تلبس ذاك المعطف الأحمر والوشاح الأحمر أيضا الذي كنت بدأت أرى لونه اسود  بسبب انه ..هوأستاذي عبيد …
آه. . يا إلهي ماعاد يسأل عني وعن هداياي. .بسبب تلك الغرابة أقصد التلميذة البليدة التي استصطادت قلب صديقنا بطرفة عين فهي بادلتنا الأدوار لتلون ساحة المدرسة بأناقتها وثرثرتها التي أخذت منحنى آخر عند أستاذي فصار يتململ مني لكثرة الحاحي  وسؤالي عنه وافتقادي المؤلم لعدم اهتمامه بي ..فصار حبي للبحر يشدني شبه الشهيد للمعركة وشبه الأرض للسلام. .
تلك التلميذة بعيدا عن كرهي لها والمدرسة التي أصبحت بالنسبة لي وكرا لا ملاذ منه إلا إليه الغزالة ربما أصبحت اشبهها  في الغرابة ( انثى الغراب ) تلك من أخذت مكانتي دون سابق إنذار لأصبح انا وموهبتي الف كلا. .من رقم الألف عند عبيد إلى أصفار ..
فأخذت دلوي الصغير الذي رافقني كثيرا مع العم عبد الوهاب. ..
لم أكن أعرف أن عبيد أستاذي يسكن ذاك الشاليه الذي اصطاد على شاطئه.ولكني قررت أن اخبيء حصيلة اجتهادي في تلك الغرفة مودعا سر أستاذي وحزني. .
مرت أيام ولم يعد يجاملني عبيد كسابق عهده! فأستأذنت الصياد عبد الوهاب أن يخبيء حصتي من الاصداف في ذاك الدلو المكتوب عليه …مالك غريب. . وهو اسمي واسم عائلتي.
وفيما لو سأله أحدهم شراء محتوى الدلو على أن لا يبيعه إلا في حال تفريغه من من داخل المحار كما جرت العادة ..استخراج مما فيه قبل البيع عملية تنظيف وفحص البضاعة ..
فإذا السر الأول وقد بأن ألا وهو عمل مالك التلميذ المثابر .في البحر ..
أحتضنت ام مالك ابنها الأصغر إلى صدرها تكفكف البكاء عنه ويغمره كنهر ماس تدحرج مثل النجوم على جبين السماء.. فأخبرته مفاجأة ب تذكرة سفر إلى إسبانيا. .
أجل يا بني إلى الأندلس .
إنه قرار الرحيل عن لبنان
 حاجة العيش وعمل الوالد في تجارة اقمشة الحرير والكشمير الهندي  هذا وقد تمت الموافقة على هجرة العائلة بعد انتظار طويل ..
سافرت عائلة غريب ومعهم مالك إلى إسبانيا  بلد الجمال الساحر ..
فماذا ظل ل عبيد من ذكرى مالك
 لم يكن يعلم الأستاذ ولا عبد الوهاب بعلاقة كل منهما بمالك الحزين .
كان لعبد الوهاب الصياد علاقة صداقة قوية تربطهما سويا  فمن تلك الصدف التقيا عبيد وعبد الوهاب الذي كان يلقبه عبيد يا عبدو  حين يناديه ليتبادلا أطراف الحديث وذلك عندما لا يتسع الشاطيء الدامس لأكثر من اثنين. .
فقال عبيد يا عبدو ..وما ذاك بيمينك ا هو للبيع. .!؟
فكأن عبد الوهاب يتوخى حذر عدم الإجابة ؟فعاود السؤال لجذب انتباهه. ..ما هو المكتوب على الدلو ؟
 مالك الغريب والتاريخ السفر. .حينها تذكر فقط اللحظات الجميلة التي كان يوفرها ذاك التلميذ الفتي لاستاذه الذي أحبه حبا جما بل وتعلق به لمدة لا بأس بها من الزمن. فأضاع فرصة لن تعود .فصاح في تحشرج الفؤادو الصدى يدور في المكان …هل وكيف ومتى ولم ..أين سافر مالك الغريب 😢؟ ..فقال عالفور وكأنه يغتنم فرصة استرجاع أشياء صديقه التلميذ النقي اللماح. .أو يستعيد ضميره الغائب هل يمكنني ابتياع هذا الدلو للاحتفاظ به كذكرى
 بالغ عبيد الله ..في الالحاح لابتياع الصدف. ..هل فات الأوان. .يا عبدو هكذا راح يؤنب ضميره !!حتى أدركه الصباح وغاب القمر في قلب المحار 😢!
يؤدي عبد الوهاب الوصية المتفق عليها ..وأستاذنا المبجل ..بإلحاح. . انتهينا عجل ها قد لاح الفجر ومازلت تفرغ الحشوة في استهزاء. (.والله لو تنبش بستان تين لخلصت ) وكأن الكنز سوف يأتي على يديك. .
وهكذا أدى اماتة الوصية ضمن تلألؤ محارات صغيرة تترامى بثقل مثير جدا للرؤية! !..في حضن عبيد ..فيصيح عبيد بدهشة وذهول يا إلهي …هاقد غنونا….غنونا يا عبدو فهل لنا أن نقتسم اللاليء. ..بينما كان يضحك بصوت عال ويشكر الله ومالك الغريب الذي ترك ذكراه لكن وللأسف لم يعي الأستاذ احجية البحر ولا حتى اللاليء …استجمع قوامه وحيلته …عبد الوهاب فقال للصديق عبيد بعدما أدرك لغز الأمانة. فقام يقلب كفيه ..وقال لعلي أوفي ديني للفتى الذي عمل معي. .مقابل أن اؤدي الوصية. .
قال هل جننت يا رجل …إنه للبيع. .هاته. !.قال نعم لكن اللاليء ليست في إطار ما قد وصى بها مالك إدراك منه لانقاظ الموقف !انها أقل كثيرا من عشقه للبحر ولاستاذه الذي بدل اخلاصه بأول فرصة بثمن بخس . .
حتى يبقى وطن الأستاذ دين النسيان
 والمبدع عابد في سفر العاشقين. .

قد يعجبك ايضا