ثقافة الظواهر! / هاشم نايل المجالي

نتيجة بحث الصور عن هاشم نايل

هاشم نايل المجالي ( الأردن ) الإثنين 16/4/2018 م …




في الماضي كان هناك حصة مدرسية تسمى حصة المطالعة كذلك كان هناك دفتر للخط العربي نتعلم كيف نخطط الكتابات وفق اسطر ، الان نحن في زمن لم يعد لدينا الوقت لنقرأ كتاباً او قصة او نكتب ونخطط بل لم يعد لدى الكثيرين رغبة في ذلك لأننا في السابق كنا نقرأ لانها الوسيلة الوحيدة لملء الفراغ والتنافس بالحفظ والقراءة والخط ، حتى جاء العالم الافتراضي فمنحنا شيك على بياض نسرف فيه في هدر الوقت اينما كنا بالمكتب او المنزل او السيارة حتى ونحن نسير بالطرقات ، ولم يعد للمعرفة اي فرح في ظل الفوضى المعلوماتية العارمة والتي لم يعد للمعرفة فيها مصداقية او تنظيم بل اصبحت ذات غاية وهدف واضح لغاية معينة .

كذلك غثاء الكلام فهناك من ينصّبون انفسهم مثقفين او كتاباً او اعلاميين ، تجدهم يركبون كل موجة وكل حدث وأزمة ويركضون برفقة الضجيج ويتزاحمون تحت اضواء الحدث اياً كان نوعه حتى لو كانت تغريدة تافهة من اي شخص فهم يعتبرون انفسهم اصحاب حق بالخطب العصماء او الناقدة او الساخرة ، فلم يعد هناك افكاراً جديدة او ابداعات جديدة او حلول منطقية للازمات ، بل غالبيتها انتقادات وتشهير وتعليق ساخر في عالم تسوده الظواهر المتغيرة البعيدة عن القيم الاخلاقية والجوهر الانساني والدافع القيمي .

فما يحدث اليوم هو اننا نعيش زخماً هائلاً من ثقافة الظواهر ذات الفروع المتشتته ، فيضيع غالبية وقتنا في متابعة ظواهر كثيرة لسبب واحد لا يسوى ان نضيع عليه الوقت الثمين خاصة ان هناك الترفيه الاجتماعي او الاستعراضات اللغوية او الافلام المفبركة بعيداً عن الثقافة الاصلية ، حتى اصبح هناك العاباً تؤدي الى الانتحار ، ومخدرات رقمية ، وانحرافات فكرية ، والدعوة الى الانضمام الى تنظيمات ارهابية ، دون اية رقابة دون ان يمتلك الشخص اي نقاط مرجعية للتأكد من صحة كل ما يكتب او صحة الاشخاص المترأسين .

فلقد تحول الغالبية الى كائن حضاري مهجن لا يعرف الا مكان نومه ومقعد عمله شارد الذهن وسارح في عالم لا يعرف الى اين سيقوده ، وهو مقابل ذلك يدفع المال الكثير في سبيل ان يبقى على تواصل مع الاخرين كل ذلك على حساب معيشته وطعامه وشرابه ووقته وعمله وانتاجه ، حتى نقاشهم اينما كان بدأ يأخذ طابعاً آخراً بعيداً عن الثقافة الصحيحة فهو يتحدث في ظواهر ليس لها مرجعية صحيحة ويعيش في عالم لا يعرف اصله من فصله ولا يعيش بواقعه الحقيقي ولم تعد هناك ارادة لدى الغالبية لتحجيم الادمان على هذا العالم الافتراضي .

وكلنا يعلم ان الارادة هي قوة نفسية واعية تدفع الانسان الى تحقيق منجز ما يطمح بالوصول اليه ، اي انها الطاقة التي تخرج الفعل من مجال الخيال والتمني الى ارض الواقع .

وان الارادة التي في داخلنا هي مظهر من مظاهر الوجود واستمرار لها ، وهي الاداة التي اوجدها الله عز وجل من اجل حفظ كينونة الكائن الحي ولتكون سلاح الانسان في مسيرته لتحقيق ذاته واعمار هذا الوطن ، عندما ندرب انفسنا على فنون التحكم بها وتوجيهها حسب ما يوافق العقل وحسب احتياجاتنا ومتطلباتنا .

فالانسان مزود بمجموعة من الغرائز الشعورية كالحب والكراهية والخوف والشجاعة وهي حاجات اساسية لا بد من اشباعها ، والارادة تقوم باستقبال هذه الاحاسيس لتكون الاستجابة لنداء الرغبات وليس كل ما يطرق باب الارادة صحيح او يدعوا الى السلام مع الذات .

فالخضوع المطلق سيؤدي الى انحرافات نفسية تؤدي به الى الحضيض الغريزي ، وعلى الانسان ان يخضع ارادته الى سلطة العقل المتزن ويلبي حاجاته العملية والصحيحة والمنتجة على ان يضيع وقته وفكره بما هو مضر بذاته وعلى حساب وقته وقوته بافكار سلبية .

فيجب ان تكون هناك ارادة واعية بالشخص لتحقيق ذاته ووجوده على المستوى الفردي او الجماعي ، وان نبقى في تحدٍ دائم ومستمر لاثبات ذاتنا ووجودنا من صدق افكارنا ومدى ايماننا وادراكنا وثقتنا بما نحمله في داخلنا من قدرات وطاقات وخبرات وامكانات حقيقية.

فهل نضيعها في عالم افتراضي بل علينا ان نتمرد عليه من اجل وجود افضل وارقى واكثر قرباً من مفهوم الحق والواقع بعيداً عن الضلال والوهم والوهن وان لا يعبث بافكارنا اشخاص لا نعرف اصولهم وغاياتهم واهدافهم

           المهندس هاشم نايل المجالي

[email protected]

قد يعجبك ايضا