خطاب الرئيس الروسي بوتن استعادة لقوة الردع الروسية وإعادة مكانة روسيا الدولية كقوة عظمى / المحامي علي ابوحبله

خطاب الرئيس الروسي بوتن استعادة لقوة الردع الروسية وإعادة مكانة روسيا الدولية كقوة عظمى



علي ابوحبله ( الإثنين ) 5/3/2018 م …
خطاب الرئيس الروسي بوتن أمام الجمعية الفيدرالية، ليس خطابا استعراضيا وليست أقوال في سياق استعراض للقوه وإنما هو تغيير في موازين القوى وإنهاء للقوه الامريكيه الأحادية القطبية وكسر للاحتكار الأمريكي في حكم العالم كقوة أحاديه تحكمت في مصير الشعوب لقرون ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , ويأتي الخطاب الذي ألقاه في قاعِة المُؤتَمرات وَسَطْ موسكو، وفي حُضورِ النُّخب السياسيّة والعَسكريّة، كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن مَجموعةٍ من الأسلحةِ والصَّواريخ الباليستيّة التي يُمكِن أن تَحمِل رؤوسًا نوويّة قادِرة على الوصول إلى أيِّ مكانٍ في العالم دون أن يتمكّن أي أحد في اعتراضِها.
الأهم من ذلك في رأينا، أن الرئيس الروسي الذي عَرض شريط فيديو على شاشةٍ ضَخمة في القاعة يَتضمّن استعراضًا لهذهِ الصَّواريخ، أكٍد “أن روسيا ستَعتبِر أيَّ هُجومٍ نوويّ على حُلفائِها هُجومًا عليها وسَترُد عليه فورًا دون أيِّ تردّد”.
وقد تضمن الخطاب موضوعات أيديولوجية وسياسية واقتصادية وعسكرية ومقترحات محددة حول العمل التشريعي لمجلسي البرلمان الروسي.

هذهِ هِي المَرّة الأولى التي يَظهر فيها الرئيس بوتين مُتحدّيًا، ومُهدِّدًا ومُعزِّزًا تَهديداته بأسْلحةٍ حَديثة وصَواريخ عابِرةٍ للقارّات مُنذ تولّيه السُّلطة، ممّا يُوحي بأنّه يَستشعِر إمكانيّة انتقال الحَرب البارِدة إلى أُخرى ساخِنة، وينّطلق من مَعلوماتٍ استخباريّة تُشير إلى احتمال تَعرّض أحد حُلفاء روسيا إلى هُجومٍ نَوويّ.

الأمر المُؤكّد أن هذهِ الرِّسالة مُوجّهة إلى أمريكا، وربّما إلى إسرائيل أيضًا، فالأولى هَدّدت بإعلان الحَرب على كوريا الشماليّة التي أجرت تجارِب مكّنتها من امْتلاك رؤوسٍ نوويّة، وطوّرت صواريخ باليستيّة عابِرة للقارّات وتستطيع الوصول إلى العُمق الأمريكي، أمّا الثانية فقد تَكون مُوجّهةً إلى إسرائيل التي يَقرعْ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وبِدعمٍ أمريكيّ، طُبول الحَرب ضِد إيران.

التقارير الاستخباريّة لمُؤتمر ميونخ الأمْني الذي انْعقد قبل أيام ، ويُعدّه نُخبة من الخُبراء الاستراتيجيين، أعْطى صُورةً مُتشائِمة بسبب تَزايُد حِدّة الصِّراع الروسي الأمريكي في ثلاث مناطِق توتر رئيسيّة هي كوريا الشماليّة وإيران وسورية، ووَصف سِياسات الرئيس دونالد ترامب المُتهوّرة بأنّها تَقود العالم إلى حافّة الهاوِية.

القِيادة الروسيّة عارَضت بشِدّة التّهديدات الأمريكيّة لكوريا الشماليّة، وأيّدت حَق الأخيرة في التحوّل إلى قوّةٍ نوويّة، وإنتاج صواريخ عابِرة للقارّات في إطار الدِّفاع عن نفسها في مُواجهة التَّهديدات الأمريكيّة، ولعلّ تأكيد الرئيس بوتين بأنّه سيَرُد على أيِّ هُجومٍ نوويّ تتعرّض له بِلاده وأي من حُلفائها، تَحذيرٌ واضِح للرئيس ترامب من الإقدام على أيِّ حماقةٍ عَسكريّة.

لا نَستبعد أن تكون سورية مَيدان مُواجهة أمريكيّة روسيّة أيضًا، أو ذريعة لشَن عُدوان إسرائيلي على إيران، فنتنياهو يَعتبِر وجود أي قاعدةٍ عسكريّةٍ إيرانيّة في الأراضي السوريّة بِمثابة “إعلان حرب”، ووصف إيران وأذرعتها العسكريّة بأنّها أكبر تَهديد ليس لإسرائيل فقط وإنّما العالم بأسْره، وهدَّد بالتدخّل عَسكريًّا ضِدها إذا “لَزِمَ الأمر”.

الرئيس بوتين وقِيادته العسكريّة يَشعران بالقَلق من التحرّكات الأمريكيّة على الأرض السوريّة، ويَخشيان من تِكرار واشنطن للسِّيناريو الجِهادي الأفغاني فيها، بعد تصريحات صَدرت عن ريكس تيلرسون، وزير الخارجيّة الأمريكي، شدّد فيها على أن الوجود العَسكريّ في سورية (2500 جندي) سَيكون دائِمًا.

الجنرال ألكسندر فينيديكتوف، مُساعد أمين عام مجلس الأمن الروسي، كَشف أمس عن وجود 20 قاعِدةٍ عَسكريّة أمريكيّة في مَناطق تَقع تحت سيطرة قوّات سورية الديمقراطيّة في شَمال غرب سورية، من بينها قاعِدة جويّة في مدينة الطَّبقة قُرب مدينة الرقّة، وأُخرى في مدينة التنف، في المُثلّث الحُدودي السوري العِراقي الأردني، حيث يَجري تَدريب قوّات خاصٍة على غِرار قوّات “الصَّحوات” العراقيّة في عام 2008، أثناء الاحتلال الأمريكي.
روسيا تخشى من هجمات تُقدِم عليها جماعات “جهاديّة” مُسلّحة، وتستهدف قاعدتيها البحريّة في طرطوس، والجويّة في حميميم، وأوّل إنذار في هذا الخُصوص تَمثّل في هُجومٍ بطائِرات مُسيّرة بدون طيّار قصفت القاعِدة الأخيرة (حميميم) بصواريخٍ مُتطوّرة، وبعد فَحص إحدى الطائرات التي جَرى السَّيطرة عليها، تَبيّن أنّها من النّوع المُتقدِّم جدًّا، والمُزوّدة بأجهزةٍ حديثة، لا تَمتلكها إلا دولة عُظمى في وزن الولايات المتحدة.
الرئيس ترامب يَرُشْ البنزين على نيران التوتّر في العالم، ومن المُتوقّع أن يُقدِم في الأشهر القليلة المُقبِلة على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، مِثلما تم إلغاء المُعاهدة الصاروخيّة مع روسيا، ممّا يَجعل احتمالات الصِّدام وإشعال نار الحُروب واردة، ولا نَستبعد أن تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي من يُشعِل فتيلها، وتَهرع أمريكا لنَجدتها مِثلما كشف ديك تشيني، نائب الرئيس جورج بوش في أحد تصريحاته قبل تِسعة أعوام.

روسيا استعادت قوة الردع وعناصِر قوّتها، وأصبحت قوّةً عُظمى مَرهوبة الجانِب مُجدّدًا، ويتزعٍمها رئيس استطاع أن يضعها على خريطة العالم مُجدّدًا في المَكان الذي تستحق، وخِطابه القويّ وغَير المَسبوق، الذي يَعكِس ثِقةً بالنَّفس تستند إلى قُدرات عَسكريّة مُتطوّرة جدًّا يُشكِّل تدشينًا لمَرحلة جديدة عُنوانها الزَّعامة العالمِيّة.
روسيا بوتين ليست روسيا غورباتشوف، صاحِب البيرستوريكا الانهزاميّة، ولا هي روسيا يلتسين الذي لا يَفوق من الثَّمالة.. روسيا اليَوْمْ تقول “لا” كبيرة للغَطرسة الأمريكيّة، وتُؤكِّد أن مَرحلة تَفرّدها بالعالم قد انْتهت إلى غَير رَجْعة.

عندما تستخدم روسيا والصِّين “الفيتو” المُزدَوج” ضِد المُخطَّطات الأمريكيّة في سورية في مَجلس الأمن الدَّولي، فإنّ على أمريكا وحُلفائها إدراك أن العالم تغيّر وبِشَكلٍ جَذْريّ.
يشذّ فلاديمير بوتين عن تقاليده الانتخابية. الرئيس الروسي المتجه نحو ولاية رابعة، في الثامن عشر من آذار الجاري، اختار الخطابة وسيلةً لعرض ما يُشبه البرنامج الانتخابي، متعهداً، في كلمته السنوية أمام البرلمان الروسي، بتحقيق «الانتصارات» و«النجاحات» لروسيا خلال العقد المقبل، وموجهاً رسالة ردع استراتيجي بالغة الأهمية، من خلال عرض نماذج جديدة من أحدث المنظومات العسكرية في العالم

«العقد المقبل سيكون مرحلة الانتصارات الساطعة والنجاحات المشتركة، وأنّ ذلك سيحصل». بهذه الكلمات، اختار فلاديمير بوتين أن يختم أطول خطاب رئاسي له، أمام الجمعية الاتحادية، تطرق خلاله إلى أدقّ التفاصيل المرتبطة بإنجازات الولاية الرئاسية الثالثة، وطموحات الولاية الرئاسية الرابعة وتحدّياتها، والتي اختزلتها عبارة «روسيا المستقبل»، التي تردّدت كثيراً على لسان سيّد الكرملين.

الخطاب الرئاسي، الذي اختير توقيته بدقّة، قبل 18 يوماً من الموعد الرسمي للانتخابات الروسية، شكّل برنامج عمل للسنوات المقبلة، التي تتخطى السنوات الستّ للولاية الرابعة، والذي حرص بوتين على أن يجعله استراتيجياً، غير مرتبطٍ برئيس روسي بعينه، إن في منحاه الاقتصادي الذي ركّز على ضرورة الاستمرار في تحقيق النمو في سياق النسخة الروسية لـ«اقتصاد السوق»، أو في جوانبه الاجتماعية، المرتكزة على النمو الديموغرافي وحماية القيم العائلية، أو في الجوانب الأمنية المتمثلة في تقديم أحدث نسخ من منظومات الصواريخ، في مواجهة التهديدات «الأطلسية».

في العموم، يمكن وصف خطاب بوتين بـ«التاريخي»، ليس بسبب كسره الرقم القياسي للخطابات الرئاسية، باستغراقه نحو ساعتين، قسّمت بالتساوي بين السياسات الداخلية والسياسات الأمنية والخارجية، ولا في فرادته الشكلية، من خلال اعتماد الرسوم البيانية والوسائط البصرية، وإنما في كونه شكّل من الناحية العملية، البرنامج الفعلي لبرنامج «إعادة بناء الدولة»، الذي اقتحم به ضابط الاستخبارات السابق المشهد السياسي الروسي والدولي، في مطلع «الألفية الثالثة».

ولعلّ فهم «تاريخية» الخطاب «البوتيني» لا يكتمل، قبل مقارنته بخطابات الولايات الرئاسية الثلاث. أوّل تلك الخطابات، كان قبيل انتخابات عام 2000، التي فاز بها بوتين بنسبة تأييد بلغت 52.9 في المائة. في تلك الانتخابات، لم يكن بوتين قد أمضى في الحكم، بصفة رئيس مؤقت، سوى بضعة أشهر، كانت كفيلة لأن يجد فيه الروس «مخلّصاً» قادراً على انتشالهم من العشرية «اليلتسينية» السوداء، بما رافقها من انهيار على المستوى الاقتصادي، وبالتالي تراجع المكانة الدولية لروسيا في العالم، غداة عقد على انهيار الاتحاد السوفيتي، وقلق، يصل إلى حالة الهلع، على أمن روسيا نفسها، بعدما طاولت شظايا الحرب الشيشانية المدن الروسية، وصارت المباني السكنية والتجارية هدفاً للتفجيرات الإرهابية.

وقد انعكس خطاب الرئيس بوتن على أمريكا والغرب عموما وكانت محور اتصالات الرئيس الأمريكي ترمب مع حلفائه الغربيين فاتصل مع ماكرون الرئيس الفرنسي ومع انجيلا مركيل وقالت قالت صحيفة “التايمز” البريطانية إن تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن في مقدوره “تدمير العالم” إذا ما تعرض لاستفزاز، هو في حقيقة الأمر ما دأب عليه كل زعيم روسي منذ عهد جوزيف ستالين.
غير أن الصحيفة استدركت في افتتاحيتها أمس الجمعة قائلة إن استعراض بوتين لمنظومات أسلحته النووية الجديدة لا يمكن اعتباره ببساطة من قبيل “التبجح”. فمما لا شك فيه أن روسيا استطاعت أن تحرز تقدما في تطوير أسلحة قادرة على تخطي أنظمة الدفاع الأميركية المضادة للصواريخ.

وجاءت الافتتاحية تعليقا على تصريحات بوتين في خطابه السنوي أمس الخميس للأمة أمام الجمعية الاتحادية (تضم غرفتي البرلمان الروسي)، التي أكد فيها أن بلاده تطوّر أسلحة إستراتيجية ردا على أميركا التي خرجت بشكل منفرد من الاتفاقات بشأن الدرع الصاروخية.
وتوعد بوتين بالرد القوي على أي اعتداء نووي على بلاده أو أي من حلفائها، مشيرا إلى أنه سيعتبر عدوانا على روسيا. وقال إن بلاده أصبحت تمتلك أسلحة فائقة السرعة قادرة على الوصول إلى أي بقعة في العالم.
ورأت الصحيفة البريطانية أنه ما من شك كذلك أن الولايات المتحدة وروسيا -أعداء الحرب الباردة- انخرطا مرة أخرى في سباق للتسلح ينطوي على مخاطر حريق ما يلبث أن يتجاوز منافع الردع المشترك.
وأوضحت أن تلك المخاطر تشمل انتشار المواد والتقنية النووية ووصولها إلى دول مارقة وإرهابيين، وتقويض معاهدات خفض الأسلحة التي قلصت ترسانات الأسلحة النووية الأميركية والروسية.
ومضت التايمز إلى القول إن بوتين بلجوئه إلى لغة التهديد والوعيد ينم عن “حنين” إلى نمط التفكير الذي كان سائدا أيام الاتحاد السوفيتي السابق، الأمر الذي يعميه عن الدرس الحقيقي لتلك الحقبة والمتمثل في أن هذا النوع من سباق التسلح لا يمكن لروسيا أن تخرج منه ظافرة. المصدر : تايمز

ونشرت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية، تقريرا لها ، تناولت فيه ردود أفعال صحف ووسائل إعلام غربية على الخطاب الذي ألقاه بوتين، مشيرة إلى أن معظم الصحف سلطت الضوء فقط على الجزء الخاص بالأسلحة الروسية التي تحدث عنها بوتين في خطابه.

وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية إن الهدف من هذا الخطاب هو جذب بعض الانتباه، حيث تحدث بوتين خلال الساعة الأولى من خطابه بشكل متفائل عن رفع متوسط دخل الفرد خلال 10 سنوات، وزيادة حجم إجمالي الناتج المحلي لروسيا إلى 50% بحلول عام 2025، وخفض مستوى الفقر بين الروس إلى النصف.

وأضافت “الجارديان” أن بوتين في الأساس استخدم المنصة للاستشهاد بالأسلحة الروسية الجديدة وقدرتها على تنفيذ ضربة نووية فوق أي نقطة على الكوكب.

بدورها، سلطت شبكة “سي.إن.إن” الأمريكية، الضوء على الجزء الخاص بالأسلحة الروسية الذي تضمنه الخطاب، مشيرة إلى أن بوتين تحدث أيضا عن الإستراتيجية الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن الأسلحة النووية والتي من شأنها تقضي برفع دور الأسلحة النووية بما في ذلك عن طريق إنتاج ونشر صواريخ القدرة التدميرية المحدودة، حيث قال بوتين إن تلك الإستراتيجية تثير القلق، وأشار إلى أن روسيا تحتفظ بحق الرد واستخدم الأسلحة النووية فقط في حال استخدمت هذه الأسلحة ضدها أو ضد حلفائها.

أما وكالة “بلومبيرج” الأمريكية فرأت أن الخطاب لوحظ فيه استشهادا غير عادي بالقوة العسكرية الروسية، واصفة الجزء الخاص بالأسلحة الروسية بأنه تهديدا للولايات المتحدة الأمريكية.

من جانبها، قالت صحيفة “دي تسايت” الألمانية، أن روسيا توسع ترسانة أسلحتها ردا على علاقاتها المحتدمة مع الولايات المتحدة والناتو، موضحة أن بوتين استعرض أمام النواب الروس بعض الأسلحة الجديدة التي لا يمكن ردعها.

من جهتها، رأت صحيفة “لي بوينت” الفرنسية، أن بوتين قضى نحو ساعة من خطابه للحديث عن الأسلحة الروسية التي لا يمكن ردعها، حيث تحدث بوتين عن تطوير صاروخ جديد من طراز “كروز” وصفه بأنه “لا يقهر”، كما تحدث عن اعتماد أكثر من 300 نموذج جديد من المعدات العسكرية، بينها 80 صاروخا بالستيا جديدا و102 صاروخ بالستي للغواصات و3 غواصات إستراتيجية من مشروع “بوري”.

وجاء رد الولايات المتحدة بعد ساعات من كلمة الرئيس الروسي، حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن واشنطن مستعدة للدفاع عن نفسها ضد الصواريخ الروسية الجديدة.

وقالت ممثلة البنتاجون دانا وايت، “واشنطن ليست مستغربة من تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته أمام الجمعية الفدرالية، مضيفة: “نحن لا نستغرب من تصريحات بوتين.. بإمكان الأمريكيين أن يكونوا على يقين تام، نحن واثقون من أننا مستعدون للدفاع عن دولتنا مهما حدث”.

فقد قامت إستراتيجية الاحتواء الأمريكي على ركيزتين: العمل الدءوب لتوسيع حلف شمالي الأطلسي شرقاً، وصولاً إلى حدود روسيا والسعي المحموم لتطوير منظومات السلاح التقليدي والنووي لتأمين تفوق أميركي نوعي عليها. المرحلة الأولى من توسيع الحلف بدأت عام 1999 مع ضم تشيكيا وهنغاريا وبولندا إليه، تلتها مرحلة ثانية عام 2004 شهدت انضمام بلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. انضمام هذه البلدان إلى الحلف يعني عملياً تموضع قوات عسكرية أميركية فيها ونشر بطاريات منظومة الدرع الصاروخية في بعضها وتخزين قنابل نووية في بعضها الآخر، كما هي الحال مع عدد من دول الحلف كألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، حيث تحتفظ واشنطن بحوالي مئتي قنبلة نووية. قامت روسيا بوقف تمدد «الناتو» نحو حدودها بالتدخل العسكري المباشر في جورجيا وأوكرانيا وأظهرت عبر مشاركتها في الحرب السورية أنها قادرة على الشروع بعمليات عسكرية كبرى، بعيداً عن حدودها ولفترة طويلة زمنياً دفاعاً عمّا تعتبره مصالحها الحيوية، أي أنّها، بكلام آخر، منعت استكمال عملية حصرها داخل حدودها وعادت لاعباً على الساحة الدولية.
الركيزة الثانية، وهي المضي في سباق التسلح لتأمين غلبة نوعية على روسيا، أكدتها الوثيقة النووية التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس. وقد اعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف، في مداخلة أمام مؤتمر نزع الأسلحة، أنّ هذه الوثيقة تُشكِّلُ تغييراً جذرياً في الإستراتيجية النووية الأميركية، تؤثّر بشكل مدمر على الاستقرار والأمن الدوليين.

الاستعراض النووي للرئيس بوتين، بدأ بالصاروخ «سارمات RS-26Sarmat»، أو «الشيطان ٢» كما عمّده جنرالات «الناتو» الذين شُغِلوا به طوال العامين الماضيين. ورغم أنّ برامج تطويره بدأت عام ٢٠٠٩، فإنّ معرفة الأطلسيين والأميركيين به لم تكتمل إلا بعد إجراء تجارب ناجحة على إطلاقه في آب عام ٢٠١٦، للكشف عنه في تشرين الأول الذي تلاه. «الشيطان ٢» اختار الروس أن يصل مداه إلى عشرة آلاف كلم، وأن يقطع ٢٤ ألف كلم في الساعة، متجاوزاً سرعة الصوت عشرين مرة. وبوسع المائة طن التي يزنها، أن تتسلح بـ ٢٤ رأساً نووياً، لكلّ منها أن ينفصل ويصيب هدفاً مستقلاً، وتصل القوة التدميرية لكل منها إلى خمسة آلاف طن تفجيري، لتستحق اسم ساكن الجحيم الذي تحمله إذا ما قورنت بقنبلة هيروشيما التي لم تتجاوز الـ ١٨ كيلو طن.

ويصحُ القول إن مفاجأة الإعلان البوتيني بامتياز هي في الكشف عن صاروخ جوال يعمل بمحرك نووي. الصاروخ بمحركه لا مدى محدداً له، ولا زمن يحد قدرته على الاستمرار في التحليق في الجو ما شاء له المحرك النووي الذي لا تنضب طاقته أن يحلّق أياماً وأسابيع، وهو الأول من نوعه في مجال التسلح الصاروخي الذي لم يُقيَّض لجنرالات وجيوش ما قبل وما بعد الحرب الباردة على السواء أن يحظوا به، رغم سعير السباق الى التسلح، والميزانيات الضخمة التي خصصت لها. لا يجهل الأميركيون تقنيات الدفع النووي للصواريخ الجوالة، وقد امتلكوا برنامجاً مشابهاً في الستينيات، سرعان ما تخلوا عنه عام ١٩٦٨. الصاروخ مولود مكتوم الاسم في ترسانة فلاديمير بوتين، سيقلب مفاهيم الدرع النووي لأنه سيكون قادراً على التحليق في مسار متعرّج، ومنخفض لتجنب شبكة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، وخصوصاً أنّ «نقاطاً عمياء» كثيرة، لا تغطيها الرادارات الأطلسية، لا تزال تتخلل مناطق انتشار هذه الصواريخ.

ما ينحو إليه الخطاب البوتيني هو اندراجه بديهة في الزمن الانتخابي الرئاسي الذي لا ينبغي أن تشغل خواتيمه رئيساً مرشحاً إلى خلافة نفسه، دون أن يجد منافساً جديراً به. وهو خطاب يفيض بذلك عن الحاجات الانتخابية الفورية ليتصدى لكرة التحديات الأميركية المشتعلة، وخصوصاً بعدما استقرّ الأمر بالفريق الأميركي الأمني والدفاعي، على اعتبار روسيا التهديد الاستراتيجي الأول، وبالإجماع بين أعمدة الدولة العميقة في المخابرات والبنتاغون والأمن القومي، من مايك بومبيو، مروراً بجون كيلي، فجيمس كيلي، وانتهاءً بهربرت ماكماستر. وهناك ما يستدعي أكثر من مجرد استنفار للبوتينية، ففي الوثائق الإستراتيجية الأميركية التي توالى صدورها منذ أيلول الماضي، من وثيقة الدفاع الوطني، التي لم يكشف إلا عن القليل منها، إلى إستراتيجية الأمن القومي التي أذاعها الرئيس دونالد ترامب، وصولاً إلى وثيقة النووي الأميركي الأخيرة، تصويب متضافر على ضرورة الإعداد لمواجهة روسيا، لأن هناك ما يستدعي إعلان تأهب لكل ما تستطيعه البوتينية، بعدما عادت المخابرات العسكرية الأميركية إلى أوراقها القديمة في الحرب الباردة، وأصدرت العام الماضي، للمرة الأولى منذ عام ١٩٩١، تقريرها السنوي عن التسلّح الروسي، كدليل عمل للأركان الأميركية. وأسهب هذا التقرير في الحديث عن مشاريع التسلح الروسية، والقدرات الحالية لروسيا، مع التركيز على برامج الصواريخ الجوالة. وتحدث التقرير بشكل خاص عن الخطة العشرية ٢٠١١-٢٠٢٠ «لتسلح الدولة» الروسية، ونزوع الروس إلى تفضيل الضربة النووية البعيدة، وإطلاقها من منصات متحركة، لا يمكن لشبكات الإنذار المبكر أن تتصدى لها، من بينها أيضاً صواريخ «كينجال» أو «الخنجر» التي يبلغ مداها ألفي كيلومتر، ويمكن إطلاقها من الطائرات.
بوتين أعلمَ الأميركيين بما باتوا يعرفونه أخيراً بسبب خطأ ضابط روسي ظهر في تقرير تلفزيوني قبل ثلاثة أعوام وهو يحمل خرائط لغواصة غير مأهولة، تحمل اسم المنظومة المتعددة الأهداف، وهي منظومة بقيت في حيّز التكهنات، إلى أن صدر تقرير أميركي قبل أسابيع يتحدث عنها، وهو ما تبرّع الرئيس بوتين بتأكيده.

خطاب الرئيس الروسي بوتن هو استعادة لقوة الردع الروسية وإعادة مكانة روسيا الدولية كقوة عظمى هذا بالفعل ما حمله مضمون الخطاب وفق التحليلات للمراكز ألاستراتجيه وصناع القرار والذي يحمل أبعاد التغيير في موازين القوى الدولية والتي تؤكد إنهاء التحكم الأحادي القطبية للتحكم الأمريكي في حكم العالم مما ينبئ بتغيرات استراتجيه في الصراع على سوريا والقضية الفلسطينية وحرب اليمن وفي التحالفات الاقليميه التي باتت تستظل بالحماية الروسية بالرد على أي عدوان عليها وهي التي أشار إليها بوتن بالدول الحليفة لروسيا

قد يعجبك ايضا