الخيار الأردني الذي لا بديل عنه ..

 




السبت 6/1/2018 م …

محمد شريف الجيوسي –

بات أمر إستهداف الأردن سياسيا وإقتصاديا وربما أمنياً أقرب إلى اليقين ، من قبل ( حلفاء الأمس ) ولا حاجة للإستفاضة في أسبابه وتفاصيله ، فقد أضحى الإستهداف معروفاً  حتى بتفاصيله المملة لدى العامة أردنياً وعربياً وإقليمياً.

لكن السؤال كيف يتمكن الأردن من تجاوز المصاعب المترتبة على هذا الإستهداف ، في وقت يعاني فيه الشعب الأردني منذ سنوات ( بفضل التحالف القديم ) من ضائقة معيشية تتفاقم، كما يعاني الأردن الرسمي من عجز كبير ومديونية وبطالة غيرمسبوقة.. ونفّذت عصابات إرهابية عمليات إجرامية في سنوات سابقة إستهدفت أمنه، وأُفشلت محاولات متكررة لتهريب مخدرات وبشر وأكتشفت محاولات لتصنيع السلاح، ويقيم على الأرض الأردنية نحو 25% من السكان او يزيد ،ممن لا يحملون أرقاماً وطنية من فلسطينيين وعراقيين ومصريين وسوريين وصوماليين وسودانيين وليبيين ويمنيين وآسيويين ، في ظروف وأسباب متفاوتة .

وترك التحالف القديم؛الأردن،بلا حلفاء آخرين،وبلا مقومات تذكر، فتورط بتوقيع معاهدة وادي عربة،وقناة البحرين الأحمرـ الميت واتفاقية استيراد الغاز من الكيان الصهيوني..كما التزم مع البنك الدولي بما يسمى (برنامج التصحيح الإقتصادي على مدى 3 عقود) باع بنتيجته أصوله المالية بأبخس الأثمان،وسعى لجذب استثمارات خارجية بشروط غير عادلة(فيما هاجرت رساميل وطنية)وأقيمت مناطق حرة أستخدم فيها العامل الأردني كـ قن.. فيما حُمّل الأردن  مساوئ تعامل إدارات تلك المناطق مع العمال الآسيويين،دون أن يستجلب الأردن فوائد تذكر،سوى إستخدام واستهلاك بناه التحتية والمياه والكهرباء بأسعارها.

ونفذ الأردن معظم الضغوط المفروضة عليه إقليمياً على مدى عقود، في مقابل مساعدات مالية أمريكية وأوروبية وخلايجية لا تعادل (الأثمان الحقيقية لتلك الخدمات) وما فرضته من أنماط معينة إقتصادية وآليات سياسية وإنزواء وتقنين في علاقاته الخارجية العربية والدولية، ما أضر برصيده القومي والإسلامي والعالمي ، ما جعله رهين علاقات، همها استجلاب القروض والمنح والمساعدات بشروط غير متكافئة، بحيث يبقى أسير الحاجة وصياغة مستقبله وفق رؤيتها الكفيلة ببقائه حيث يريدون .

ولعبت أغلب الشرائح الحاكمة التابعة منها في الدولة الأردنية، دور(المحلل) الكفيل بإبقاء الأردن في بيت الطاعة الغربي الخليجي..عبر المقدمات الممتدة المعمول بها لعقود.. وكانت هذه الشرائح وما تزال مكلفة الولاء على الأسرة الهاشمية وعلى النظام السياسي وإدارات الدولة المختلفة،وبمثابة الحجاب الحاجز بين الدولة والشعب،فكان الفساد والهدر والتهرب الضريبي وكانت المؤسسات الخاصة والقوانين التي لا تراعي مصالح الطبقات المتوسطة والصغيرة والفقيرة ، وتتيح شرعنة الإستغلال .

ومع كل هذا الواقع الصعب، إغلاق الحدود مع سورية وبالتالي مع لبنان وتركيا ..كما أغلقت الحدود مع العراق لفترة وبالكاد فتحت الآن، ويقنن على الأردن تعاملاته التجارية والسياحية مع إيران الى حد أن اللجنة التجارية المشتركة لم تعقد دورة منذ سنة 2008 !؟ كل ذلك بسبب ما اشعل الحلفاء من حروب وإرهاب أو جراء ضغوط كما إيران .

في ظل كل هذه الظروف مجتمعة يتخلى (الحلفاء التاريخيون) عن الأردن، مطمئنين إلى أنه لا يستطيع (الفلحصة) جراء واقعه الصعب متعدد الإشكالات..فيضيفون إلى مصاعبه محاولة شطب دوره ووصايته على المقدسات لصالح التحالف الجديد السعودي الإسرائيلي.. ويريدون فرض حل معين للقضية الفلسطينية في نطاق صفقة القرن تجعل من الأردن مجددا موضع الحل الديمغرافي الجديد،وان يقبل بتحريك دوريات مشتركة مع إسرائيل على الحدود مع سورية والقبول بضم الأغوار الفلسطينية المحاذية للأردن إلى الكيان الصهيوني وغير ذلك.

كما يريدون من الأردن قبول دحلان بديلا للقيادات الفلسطينية الأخرى،باعتباره ضمانة التحالف الأمريكي الصهيوني السعودي في تنفيذ الجانب الفلسطيني لصفقة القرن.. بكل ما تحتمل الصفقة من مخاطر على مجمل الوجود الكياني الأردني .    

أمام هذا الواقع المعقد الصعب،ليس أمام الأردن من ترف الوقت ،ولا من ترف الخيارات، ما يستدعي سباقا مع الزمن وحكمة وشجاعة وعدم نظر الى الخلف، فلا أسف على (حلفاء ) تخلوا عنه،رغم كل ما سببوا وفرضوا عليه من إشكالات ومصاعب ومتاعب، ومن خيارات لم تكن لصالحه يوما ومن تقنين للمساعدات والخيارات الحرة،بينما بذلت الأموال بسخاء في مواضع غير رشيدة.

على الأردن تحقيق استدارة كاملة، وهذا يستوجب المجيء بمن يؤمن ويحرص على تحقيق هذه الإستدارة من رحم هذا الشعب العظيم الصبور الوفي المعطاء..المستعد للتضحية في مقابل نهج سياسي واقتصادي سليم والإصطفاف الى جانب محور منتصر في سورية والعراق ،وهما موضوعيا رصيد هذا البلد، والى جانبهم روسيا والصين وإيران والمقاومة اللبنانية وفلسطين ، ولا بأس من إقامة علاقة متوازنة مع عُمان، ومع تركيا إذا توقفت صادقة عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي والسوري .

وذاك هو الخيار الحر الذي لا بديل عنه.

[email protected]

 نقلاً عن البناء اللبنانية يوم السبت الموافق 6 كانون الثاني 2018 .

 

قد يعجبك ايضا