مقال : أين الثورة السورية ؟ … سؤال وجيه/ احمد الحباسي

احمد الحباسي ( الجمعة ) 15/12/2017 م …




فجأة  تبخرت سحابة “الثورة السورية ” و لم نعد نرى أثرا  لتلك الشخوص التى صنعها الاعلام القطرى و السعودى  “لتمثل ”  الشعب السورى حتى تستقيم المؤامرة و يظن البعض أن تحالف العربان و العجم قد أتى بنيات خيرة لإنقاذ الشعب السورى من الطغيان الأسدى ، حتى نذكر من أنهكت ذاكرته الاحداث العربية الساخنة يجب أن نرجع الى تلك الايام  العصيبة التى تحدث فيها اعلام العالم عن انشاء الادارة الامريكية لغرفة عمليات همها الوحيد هو  السهر  على “تكوين معارضة ” و تسليحها و مدها بكل الاحتياجات الضرورية اللازمة  للاتصال بغرف الاخبار الخليجية و العالمية التى كانت مستعدة  لتشويه الحقيقة و تضليل الرأى العام العالمى بما فيه العربى طبعا  ، نشأت  ” الثورة ” السورية من العدم  و من دهاليز الشر الصهيونية و هم يبحثون لها لحد الان عن مخرج  و عن هوية و عن عنوان  فلا يقدرون  و بعيدا عن القبول بوجود معارضة سورية  او استهجان الفكرة فانه من الواضح اليوم و بعد مرور اكثر من ستة سنوات من بداية  العدوان الارهابى على سوريا أن شعوب العالم برمته قد عايشت مسرحية دموية قذرة ارادت بها الصهيونية و بعض الدول الخليجية ان تكون ثورة  يتكئون عليها لضرب النظام السورى بل ضرب سوريا بكل عناوينها .

منذ ساعات حل الرئيس الروسى بسوريا  فى رسالة مشفرة لكل هؤلاء المتآمرين بان اللعبة قد انتهت  بانتصار النظام  و المقاومة  و بأن لغة المنتصرين هى من تحدد  ماهية الحل السلمى القادم  و بأن على هؤلاء القابعين فى دكاكين قطر و تركيا و السعودية و ربما اسرائيل أن يتعايشوا رغما عن أنفهم مع وجود الرئيس الاسد و مع حزب البعث و مع القيادة السياسية للرئيس المنتخب ، طبعا استمعنا بذهول شديد الى تصريحات المعارضة منذ ساعات فى جينيف  حين قبلت بوجود الرئيس الاسد و بعدم تقديم  مطالب  أو شروط مسبقة للحوار مع النظام  بل استمعنا الى حوار غاضب بين  المندوب الأممى ستيفان دى مستورا  و هؤلاء الخونة محذرا اياهم من التمادى فى اطلاق التصريحات الاستفزازية و معايشة الاحلام الزائفة برحيل النظام ، لعل مزاج السياسة الدولية قد تغير 360 درجة  لان الاسد باق لا محالة كأحد  نتائج الانتصار السورى  و لعل التسويق الاعلامى الذى تحملت قناة الجزيرة و قناة العربية عبئه طيلة سنوات الجمر  قد وصل الى نفق مسدود فلم تعد هناك فى سوريا ما يثير الانتباه أو يدل على وجود جماعات  ارهابية او  مجموعات تمثل الثورة السورية القذرة ، اليوم  صمدت سوريا بمعية حلفاءها   و وصلت الى بر الامان  عقب هذه السنوات الدموية  المرعبة  و بات من المتعين على ” الثورة ” السورية أن تصبح مجرد  مفردات  بائسة استعملتها المخابرات الصهيونية و الخليجية و التركية  ثم رمتها كعود الثقاب  المحروق .

انتصار سوريا سيعيد للمنطقة كثيرا من الطمأنينة و الهدوء و بقاء الاسد سيربك كثيرا من الحسابات الاقليمية  الفاشلة و لعل  ما يقع من تسريبات و ما يقال  همسا قد اصبح من الحقائق التى تشير الى  محاولة كثير من الانظمة و على رأسها فرنسا  و تركيا للبحث عن طريقة ملائمة للعودة الى سوريا حتى من الباب الخلفى مؤقتا ، فى التسريبات ان الادارة الامريكية قد  اغلقت غرفة العمليات التى خصصتها لمتابعة  و مواكبة الحضور الارهابى المدمر فى سوريا  و حياكة الاخبار المفبركة و تضليل الرأى العام  و عليه فلن نسمع بعد الان حديثا عن وجود “ثورة ” سورية  او عبارات من هذا القبيل  و قد لاحظ المتابعون كثيرا من التغيير الملحوظ فى صياغة الاخبار فى كثير من المحطات  الفضائية العربية و الفرنسية على سبيل المثال ، من المثير للانتباه  أنه بمقارنة بسيطة  بين الحيز الزمنى المخصص من الرئيس التركى شخصيا  للهجوم اللاذع على القيادة السورية  بين سنة 2011 الى بداية سنة 2017  و من بداية سنة 2017 الى الان  يتبين الفارق الشاسع  بما يؤكد أن القيادة التركية تجد نفسها اليوم فى احراج  و ارتباك شديد بعد كل علامات الفشل  الذريع التى رافقت  انهيار المجموعات الارهابية فى العراق و فى سوريا  بما حتم عليها  الانزواء الجدلى و الاكتفاء بمساعدة الجانب الروسى و الايرانى فى البحث عن  حل يحفظ ماء الوجه التركى  و يعطى نفسا جديدا للمحاولات الروسية لإعادة العلاقات بين سوريا و تركيا فى المستقبل القريب .

يعلم الاردن من البداية انه لعب بالنار حين وقف الى جانب المؤامرة  على النظام السورى بل يعلم النظام  أن وقوفه مع دول الخليج فى الجامعة العربية لعزل سوريا و ايقاف البث الفضائى للقنوات السورية و اعطاء مساحة معينة لإعلام الخيانة فضلا عن تمكين الولايات المتحدة الامريكية و بعض اجهزة الاستخبارات الاخرى من مساحة على الارض لتمرير الجماعات الارهابية  بقدر ما أضر ضررا فادحا بالنظام السورى  فان هناك ضرر  فادح لحق بالاقتصاد الاردنى  خاصة فى ظل استمرار المؤامرة وقتا لم يقرا له النظام حسابا بعد أن وعدته اسرائيل و دول الخليج بسرعة القضاء على الرئيس السورى سواء بالقتل او بالرحيل القسرى ، هناك مراجعة سياسية اردنية مطلوبة فى هذا الوقت بالذات لان النظام السورى الذى تعرض الى الخيانة الموصوفة  لن يقبل مجددا ان تتلاعب الافكار السيئة برأس القيادة الاردنية مجددا  و لن تعود العلاقات بين الدولتين إلا بعد كثير من المصارحة و علامات الاعتذار للشعب السورى ، ربما تدفع المصالح الاقتصادية القيادة السورية لفتح الحدود و اعادة السفير  لكن من الثابت أن العلاقة المتأرجحة اصلا بين البلدين لن تعود الى طبيعتها المطلوبة لان المشاعر بين ما قبل و ما بعد المؤامرة على سوريا  لن تكون عادية أبدا .

لقد تبين اليوم و على لسان وزير الخارجية القطرى السابق  ان اللعبة فى سوريا قد كانت  للنيل من الصيد الثمين المتمثل فى الرئيس السورى و من الفريسة المتمثلة فى الدولة السورية ، لم تكن هناك ثورة و لم تكن هناك معارضة  لا فى البداية و لا فى النهاية طبعا و كل ما حدث فى درعا هو  ارتفاع منسوب غضب شعبى على بعض الاوضاع أخطأ النظام خطأ فادحا فى كيفية و سرعة التعامل معه  بالطرق الحضارية و العشائرية المطلوبة  يضاف الى ذلك قصور فادح و لا يغتفر من بعض القيادات الامنية التى لم تتفطن للنار  الكامنة وراء هذه الاحتجاجات التى بدت عفوية لكنها كانت تحمل عود الثقاب الذى اشعل الوضع  بسرعة ، كانت هناك مؤامرة اجتمع عليها  ما سمى “بأصدقاء سوريا ” و كان هناك تسخير غير مسبوق للمال النفطى لتمويل هذه المؤامرة الارهابية  و دفعها الى الواجهة فى لحظات معدودة  كادت تؤدى بالنظام السورى  الى الهاوية  مما كان سيشكل  ضربة قاصمة للمقاومة و هزيمة تاريخية  غير محتملة لكامل النظام العربى بكل عوراته و سؤته و ايجابياته  . ان عودة الهدوء للحدود و انتشار قوات النظام السورى على كامل الشريط الحدودى من كل الجهات تقريبا  مع هزيمة الجماعات الارهابية فى العراق و فى لبنان  سيخفف من الاحتقان و حالة التأهب القصوى للجيش السورى و سيعطى النظام فرصا كثيرة لمعالجة الاوضاع المعيشية السيئة تحت كل العناوين بل انه يمكن القول اليوم ان سوريا ستعود أقوى بعد ان داست على المؤامرة و كشفت حقيقة ” الثورة ” السورية القذرة .

قد يعجبك ايضا