سورية والكيان الصهيوني .. التضاد الموضوعي / محمد ابو عريضة

نتيجة بحث الصور عن محمد ابو عريضة

محمد أبو عريضة * ( الأردن )




حينما دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مؤتمر مدريد عام 1991، ذهب الكيان الصهيوني، وفي جعبته استرتيجية محددة، تفاصيلها الرئيسة:

1: التفاوض مع الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى.

2: لا دولة فلسطينية ولا عودة للاجئين.

3: القدس عاصمة أبدية للكيان.

4: استغلال المفاوضات لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وإنشاء مستوطنات جديدة.

5: تقطيع أوصال الضفة الغربية

6: بالنسبة للأردن؛ عقد اتفاقية معه، لكن على قاعدة إلحاقه بالكامل بالمشروع الصهيوني.

7: أما سورية، فهي العقبة الرئيسية، فالكيان يعتبر أن فلسطين بالكامل تحت الاحتلال، والأردن مجال حيوي إسرائيلي، ولبنان متنازع عليه مع سورية، ومن شأن الوصول إلى اتفاق مع سورية أن يخرجها من إطار الصراع على لبنان، وبالتالي الاستفراد به.

سورية ذهبت إلى المؤتمر، وفي جعبتها الاستراتيجية الآتية:

1: التفاوض إلى أجل غير مسمى، حتى تتغير موازين القوى على الأرض، حينذاك لا يعود للتفاوض ضرورة.

2: لبنان مجال حيوي سوري.

3: فلسطين محتلة، لكن على سورية أن تكون حاضرة في مشهدها السياسي.

4: الأردن متنازع عليه.

5: مواجهة الكيان وفق استراتيجية “وراء الأسوار”، اي خوض الصراع معه بالوكالة.

الصراع في المنطقة تمحور طوال السنوات، التي جاءت بعد مؤتمر مدريد حول هاتين الاستراتيجيتين.

المشهد اليوم:

1: الكيان الصهيوني

هو مسيطر بشكل شبه كامل على فلسطين الأرض، ما عدا غزة، غير أنه غير قادر على إعادة الهيمنة على السكان من دون تعاون السلطة الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة، وقدمت، لكنها غير قادرة على تقديم كل ما يريده الكيان؛ في موضوعي “يهودية الدولة” والقدس، فحتى لو رغبت القيادة في ذلك، فهي بحكم حقائق التاريخ والواقع غير قادرة على ذلك.

ما يعني الكيان أمام خيارين، إما أن يلغي الاتفاقيات مع الفلسطينيين، أو أن يقدم للقيادة الفلسطينية ما تريده خاصة في موضوعي حق العودة والقدس، غير أن الكيان لا يستطيع ذلك.

ما يعني أن الكيان مأزوم، والسلطة مأزومة، لكن أزمة الكيان مركبة، كيف؟

أ: إذا ما ألغى الكيان الاتفاقيات مع الفلسطينيين، وحل السلطة الفلسطينية، سيعود الوضع إلى ما قبل 1993، سلطة احتلال تتحمل مسؤولية المناطق المحتلة بسكانها كاملة، حينما كان عدد سكان الضفة مليون، أما اليوم فيقترب العدد من ثلاثة ملايين، وتحتاج لإدارتهم والسيطرة عليهم إلى مليارات كثيرة، وإلى ضعف عدد جيشها الحالي الموجود في الضفة.

ب: إذا ما ضم الكيان الضفة الغربية من دون قطاع غزة، هذا يعني أنه بحكم الواقع أسس دولة فلسطينية في غزة، ستكون منصة للاشتباك مع معه، بغض النظر عمن كان يحكمها.

ج: ضم الضفة الغربية يعني سيصبح عدد الفلسطينيين في دولة الكيان 5 ملايين فلسطيني مقابل 6 ملايين يهودي، وهذا له ثمنه، فالكيان اليوم مأزوم لوجود أقل من مليوني فلسطيني داخله، فما بالكم حينما يصبحون 5 ملايين.

د: إذا ما أعاد الكيان احتلال قطاع غزة، وضمها إليه، فهذا يعني أنه قد يدفع ثمنًا غاليًا لاحتلالها، ناهيك عن حاجته إلى قوات إضافية للسيطرة على الفلسطينيين فيها.

و: يصبح عدد سكان الفلسطينيين في دولة الكيان 7 ملايين نسمة، ما يعني أكبر من عدد السكان اليهود.

ز: ما يعني؛ إذا حل السلطة سيدخل مأزقًا استرتيجيًا يهدد وجوده، ,وإذا لم يحلها، ويبقي الوضع على ما هو عليه، سيبقي الكيان أيضًا في مأزق استراتيجي.

ح: وإذا ضم الضفة الغربية من دون غزة سيدخل في مأزق استراتيجي أيضًا.

ط: إذا ترك غزة، سيتشكل كيان دولة، بالضرورة ستبقي الاشتباك قائم مع دولة الكيان، وإذ أعاد احتلالها، من دون ضمها، فلن يتمكن من السيطرة عليها كما الضفة، وإذا ضمها، فالمسألة ستكون أكثر صعوبة.

ملخص: الكيان الصهيوني يعيش حالة استعصاء؛ لا هو قادر على خوض حرب، ينتصر فيها، مع أنه يمتلك فائض قوة قادر بواسطتها على تدمير نصف الدول العربية، وتجاربه مع لبنان 2006، ومع غزة، ماثلة، ولا هو قادر على عقد تسوية مع الفلسطينيين، يقدم فيها الحد الأدنى، ليتمكن مَنْ يتفاوض مِنْ أن يوقع، ما يعني أنه معلق بين الحرب والسلام، وهي الحالة التي عاشتها الدول العربية سنوات طويلة، وهذا مأزق استراتيجي، يهدد وجود الكيان، وإن غدًا لناظره قريب، صحيح أنه للوهلة الأولى يبدو أن الكيان متماسك ويتقدم، غير أن الواقع شيء آخر، ومن يرغب في الاستزادة، عليه متابعة الصحافة العبرية.

2: سورية

سورية خاضت غمار حرب كونية على مدى السنوات السبع الماضية، وما زالت الدولة متماسكة، على الرغم من تحطم نسبة مرتفعة من بنية الدولة التحتية، واستنزاف مواردها، واستشهاد عشرات الآلاف، ناهيك عن الجرحى، والآثار الاجتماعية والنفسسية على الشعب.

المعركة التي خاضتها سورية أكدت أن سورية دولة قوية، وقادرة على الصمود، وقادرة على إدارة معاركها باقتدار، لكن الأبرز أن هذه الحرب أكسبت سورية مناعة وقدرات كبيرة، حتمًا ستساعدها على الانتقال في استرتيجتها إلى خطوات متقدمة.

الواقع وفق الاستراتيجية السورية:

فلسطين محتلة، غير أن الفلسطينيين يزدادون تشبثًا بأرضهم، وهو جزء من أدوات الضغط على الكيان، كما أن السياسات التي كانت مؤيدة للتسوية مع الكيان سقطت في الواقع، ما يعني موضوعيًا أن الخيار السوري هو الأمثل بالنسبة للفلسطينيين.

الصراع مع الكيان أصبح على وعي الناس داخل فلسطين، وليس خارجه فقط، كما كان سابقًا. أما الأردن، وهو بحكم حقائق الجغرافيا والواقع، أصبح منطقة رخوة، غير أن الحقائق تؤكد أن الأردنيين ليسوا عنصرًا هشًا، ولن يكونوا لقمة سائغة، وهذا يؤكد أن الأردن سيبقى متنازع عليه، وليس جزءاً من المجال الحيوي للكيان.

لبنان، بالكامل مجال حيوي سوري، صحيح أن قوى 14 آذار ما زالت موجودة، غير أنها ضعيفة، ومفككة، خاصة بعد اعتقال سعد الحريري في السعودية، ومن المتوقع أن يزداد ضعفها، خاصة أن بوادر صراع على قيادة تيار المستقبل تليح في الأفق بين تياري سعد وشقيقه بهاء، وباقي التيار تفاصيل.      

* كاتب صحفي وإعلامي أردني 

 

قد يعجبك ايضا