في مواجهة تبديل الأعداء لجلودهم الإعلامية والسياسية

محمد شريف الجيوسي ( الأحد ) 10/12/2017 م …

تسلك الجهات المضادة المرتبطة بأعداء الأمة، من إمبريالية وصهيونية ورجعية عربية وإقليمية وإرهاب وفساد وتخلف وانفصال وتقسيم واحتلالات، مسالك شتى في التضليل والتشويه الإعلامي ونشر الإشاعات وخلق الفتن وقلب الحقائق وتبرير العمالة والتبعية  والتخاذل ونشر ثقافة التطبيع والترويض واليأس والسلبية.




ففي السنوات الأخيرة وخاصة مع بدء ما أطلق عليه الربيع العربي، بل وقبله، نشط إعلام ذكي فضائي وغيره، بدا مدافعاً عن قضايا الأمة والشارع بحيث يكتسب الثقة والصدقية، ليصبح لاحقاً كل ما يطرحه منزّهاً عن التكذيب والدحض، بل بحيث يبدو المختلف معه محل شك وكذب وتضليل وتجنٍ وعدم موضوعية، بكل ما يستوجب ذلك من انحياز سلس ومريح وطبيعي و(وطني) للقوى المعادية، ما أهّل بطانات حاضنة للإرهاب تتسم بالشعبوية، وتعدى التشويه الإعلام لكسب قوى سياسية وأحزاب وعشائر وشخصيات سياسية وأكاديمية واجتماعية وازنة، ردّدت ما كان يقول به الإعلام التابع أو زودته بما يحتاجه من مزاعم ورؤى تخدم مهامه السياسية التخريبية، ما أسهم في تخريب وعي العامة والخاصة. وكانت عجلة التشويه الإعلامي والسياسي تتنقل بين المتغيرات ببهلوانية سريعة تبدو مقنعة، وقريبة من المنطق بل و(وطنية) حريصة على الاختلاف مع أعداء الأمة كـ أمريكا.. فعندما قام التحالف الأمريكي بالتدخل في الشأن السوري بذريعة مكافحة الإرهاب، رحبوا بذلك، وزعموا أن سورية وإيران هما من أنشأتا داعش، وأن سورية تقتصر في قتالها على “النصرة المعتدلة”، وأن مهمات التحالف الأمريكي محاربة داعش متجاهلين تقدم داعش في سورية والعراق في ظل التدخل الأمريكي وإقامة “دولتهم” على جانبي حدودٍ واسعة جداً للبلدين، حتى كأنما بات استمرار هذا الكيان الإرهابي “قدراً محتوماً”.

ولكن عندما دخلت روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية بقوة على خط الدفاع عن سورية بمواجهة داعش وغيرها من العصابات الإرهابية، بناء لطلب سوري رسمي، وليس كالتدخل الأمريكي، غيروا موجة دعاواهم الإعلامية والسياسية، مدّعين أنهم ضد التدخل الأجنبي في الشأن السوري سواء كان روسياً أو أمريكياً (..) أو أي تدخل آخر، فيما لم يكونوا ليقولون ذلك، عندما كان الحلف الأمريكي ينفرد في التدخل ويعيث فساداً.

والمساواة بين التدخلين إعلامياً ودعاوياً، ليس المقصود به المساس بالتحالف الأمريكي، وإنما التدخل الشرعي المستجد المتمثل بروسيا ومن معها، وليبدو رفض التدخل الروسي، والتأليب ضده مشروعاً ومنطقياً ومطلوباً، حيث اتضح أن التدخل الروسي يعمل بقوة في غير صالح داعش ومجمل العصابات الإرهابية، ويغير في ميزان القوى على الأرض وسياسياً لصالح الدولة الوطنية السورية الشرعية، وهو أمر ليس مطلوباً بحال.

وهكذا وبعد أن بدأت الكفة ترجح بوضوح باتجاه سورية وحلفائها وأصدقائها، أخذت أمريكا بالعمل على غير محور، أولها التنسيق مع روسيا بشأن مناطق تخفيف التوتر، لضمان وجود لها وللعصابات التابعة في أية تسوية لاحقة، وفي آن لتغطية دورها القذر، وللتشكيك بدور روسيا من خلال هذا التنسيق، وهو ما جرى الترويج له إعلامياً وسياسياً لفكفكة وضرب تحالف محور المقاومة وتخسيره الشارع العربي.

المحور الثاني: العمل مع العراق لضرب داعش لغير غاية، منها إبعاد العراق عن إيران، وتهميش غرفة التنسيق الروسي الإيراني العراقي السوري المقامة في بغداد، وتبطيء عجلة إنهاء داعش بالقدر الذي يخدم تحويل أكبر قدر من إرهابييها باتجاه سورية، والأهم العودة إلى العراق، وتفسيخ قواه، ولتكون قريبة من كيان كردي متوقع في شمالي العراق مع غموض أمريكي متعمد من إقامته. وبالتوازي مع هذا كله، وفي خدمته، خلق حالة من الترويجات والإشاعات والشكوك سياسياً وإعلامياً بين أطراف المواجهة لأمريكا وجمهورها.

والمحور الثالث: دعم إقامة كيان  انفصالي في شمال شرق سورية، سيكون على علاقة قوية مع الكيان الصهيوني، ويهدد الأمن القومي لأربع دول إقليمية ، وفي الوقت الذي تبدو فيه أمريكا داعمة للمشروع الانفصالي فإنها عملياً أكبر مدمر ومتاجر بالدم الكردي وخالط للأوراق في المنطقة، كما يتناقض موقفها هذا مع التنسيقات المحدودة مع روسيا ومع تركيا، العضو الأطلسي، ولا يتسق مع فشلها في سورية، ما يطرح تساؤلات كبيرة عن حقائق العلاقات الأمريكية مع مختلف الأطراف ذات الصلة ، ويزيد طابور السياسة الخامس من ترويج هذه التساؤلات.

ومن هنا نجد من ينظر ويبرر لهذه المحاور الأمريكية على ما بينها من تباينات ظاهرة وتكامل في آن، تجعل المواطن العربي العادي بل ونصف المثقف في حالة من الضبابية ومشاعر الفوضى والضياع وعدم التصديق، ما قد يدفعه لارتكاب أفعال لا تخدم مصالحه أو قناعاته وقد تضر به وطنياً وإيمانياً واجتماعياً وإنسانياً، في ظل ظروف اقتصادية عامة متهالكة يزيدها الإرهاب المنتشر سوءاً.

أن إيصال الناس إلى هذه الحالة من الضياع لم تتم في ساعة أو يوم أو سنة أو حتى عقد من الزمان، ولكن عبر عملية طويلة الأمد من “البناء الهدام” والفوضى الخلاقة وأحاديث الباطل وغير الباطل التي تستخدم في خدمة واستثمار الباطل، وقلب الحقائق، ومسح الأدمغة وشراء العملاء وإسقاطهم، وتزيين ما لا يخدم الناس والمجتمع وتقدمهم، وما لا يضعهم على سكة الحقيقة بمعناها الحضاري الشامل.

ومن الطبيعي أن المجتمعات ـ ومن ضمنها مجتمعاتناـ  عندما يسود فيها الجهل الحضاري والفقر والظلم وفقدان التواصل المجتمعي، وعندما تجد لديها الإيمان الخرافي الوهابي والإخواني المبني على التكفير والتطرف وغير المعرفة وتحكيم العقل، فإنها تميل إلى تقبل ما يطرح أمامها أو عليها، فيجد فيها العدو ضالته، فيعمد إلى تعميق وتكريس وزيادة أمراضها، وطرح المزيد عليها، فتتقبل مفاهيمه ودعاواه وطروحاته ومزاعمه ولا تصدق غيرها، فتقتتل فيما بينها وتستدعي عدوها للانتصار به على أشقائها فتذرف الدم والمال بسخاء وتندثر أمة.

من هنا لا بد من البحث في التنوير الإيماني وتعميق وتكريس التواصل المجتمعي الحضاري ، في المعرفة وتحكيم العقل، وفي تعميق اللحم الوطنية وفي إزالة الظلم والفساد وأسبابهما من خلال البحث الدقيق في خلفية الأجنبي وبخاصة الغربي والصهيوني مهما زعم وتمنطق ، فوراء كل حجة وذريعة خندق ونفق وكارثة.

[email protected]

نقلا عن ورقية وموقع البعث نشر المقال تحت رقم 52 من 72 من العدد 2017-12-8-15991

 

قد يعجبك ايضا