الحرب في نطاق “صفقة القرن”

محمد شريف الجيوسي * ( الإثنين ) 20/11/2017 م …




 “الحرب خدعة”، تلك مقولة تاريخية قديمة. والأرجح أن من يريد شن الحرب لا يعلن عن عزمه البدء بشنها، بل ويتقن كل فنون التخفي، وهو ما حدث تكراراً لامتلاك عنصر المبادرة وتوجيه الضربة الأولى التي تكون في أحيان كثيرة حاسمة.

ومن أمثلة التمويه حرب حزيران، حيث أوهم الكيان الصهيوني العرب بأنه لن يكون البادئ بالحرب فكان كذلك، وكانت ساعاتها الأولى حاسمة ضد 3 دول عربية.

وأريد لحرب تشرين العربية أن تكون مكتومة، فكانت كذلك إلى حدٍ بعيد – إلا ما تسرب بدوافع غير نظيفة – ولأنها كانت مكتومة، ومعداً لها جيداً، حققت ابتداءً نجاحات ملموسة مهمة، لكنها أخذت بالانتكاس بعد حادثة الخرق الإسرائيلية على الجبهة المصرية، حيث بدأت الأصابع تلعب، ولم تحقق الحرب أهدافها المتفق عليها بين طرفيها الرئيسين المخططين لها: سورية ومصر.

ثمة فرق بين الحرب والصراع، فالصراع يمتد زمنياً، ويأخذ أشكالاً عديدة عسكرية واقتصادية وسياسية وعقائدية وثقافية وديمغرافية وإعلامية، وربما غير ذلك، فيما للحرب شكلها الرئيس وهو القتال، وتكون مجالات أخرى في خدمته بحدود الحاجة ما امتدت الحرب.

بهذا المعنى، فدق طبول الحرب حتى مداها لا يعني غالباً الحرب العسكرية بالمعنى الدقيق للكلمة، لكنها أحد أشكال الصراع لإرهاب الآخر، والحصول منه بالسياسة على ما لم يتحقق بالقتال أو دونه، أو لإبعاد النظر عن ساحة نشوبها الحقيقية.

وبعامة، فليس للحرب قاعدة واحدة مطلقة ثابتة حتى تنشب أو لا تنشب، بخاصة عندما تتولى زعامات هوجاء وأحزاب تغلّب الاستهلاك الداخلي على المصلحة العامة، أو تكون الفوارق بالقوة طاغية بين طرفي صراعٍ ما، وقتها تتغلب العنجهية وتجري مقامرات غير محسوبة أو محسوبة بدقة، فتصبح الحرب هاجساً جنونياً وليس ضرورة وطنية أو حتى مصلحة أو مطمعاً.

أما الآن، فتصعيد طبول الحرب له أكثر من غاية بالأرجح، أولها الانشغال عن “تسونامي” التطورات الداخلية في السعودية، وعن مشروع “صفقة القرن” التي ستتضمن صراعات وحروباً محتملة من جيبوتي حتى مضيق هرمز، وتتضمن تصفية القضية الفلسطينية.

بهذا المعنى، فالحرب المستمرة على اليمن، والحرب المحتملة في لبنان، قد تكون جزءاً يسيراً من صراع طويل الأمد يتضمن حروباً عسكرية وغير عسكرية، غير منفصلة، لها أشكالها وغاياتها، وتصب في المشروع التآمري الكبير “صفقة القرن”، ويقوم على تنفيذه أطراف بين بعضهم تباينات وتخوم، ولكنهم جميعاً خدام مشروع كبير امبريالي تصفوي فتنوي موحد، وهو ما ينبغي إدراكه جيداً والتنبه له.

قلنا مراراً، أنه بعد اتضاح فشل مشروع الخريف الأمريكي في المنطقة، وبخاصة في سورية، باتت الولايات المتحدة، ومعها الغرب الأوروبي واليابان وكندا واستراليا والكيان الصهيوني، معنية بخيارات أخرى على رأسها عدم تدفق العصابات الإرهابية اليها، وفتح بوابات أخرى بعيدة تنشغل فيها، وتحقق في آن أهدافاً امبريالية أخرى.

لذا فإن المعسكر الامبريالي في تجلياته العليا معني بخلق بؤر التوتر والصراعات والحروب، ولكن بعيداً عنه؛ ودون تكبده دماءً أو أموالاً أو مقدرات. وهذا بذاته يحقق مصالحه ومطامعه، والجبهات “الصغيرة” كلبنان، أو حتى اليمن، تأتي في نطاق مشاريع أكبر.

* نقلا عن جريدة البعث 

قد يعجبك ايضا