مذبحة كفر قاسم / عبدالحميد الهمشري

 




عبدالحميد  الهمشري* ( فلسطين ) السبت 11/11/2017 م …

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

*هذه الطبيعة الإجرامية لجيش الاحتلال الصهيوني ..

*أزهقوا أرواح 49 بريئاً بدم بارد في كفر قاسم مساء العدوان الثلاثي على مصر 1956 …

لكي لا ننسى ما نشأ عليه جيش الاحتلال الصهيوني الذي تشكل من عصابات إرهابية ديدنها سفك الدماء والقتل بدم بارد وبلا مبررات .. بل القتل في سبيل القتل وهذا ما حصل في مذبحة كفر قاسم في 29 تشرين الأول /أكتوبر عام 1956 عشية العدوان الثلاثي على مصر حيث نفذتها قوات حرس الحدود التابعة لجيش الاحتلال الصهيوني  والتي تولت تنفيذ حظر التجول على المنطقة التي تقع فيها القرية في المثلث المحاذيللحدود مع الأردن .. حيث تلقى قائد القوة ويدعى الرائد  شموئيل ملنيكي الأوامر بتقديم موعد حظر التجول في المنطقة إلى الساعة الخامسة مساء وهو الأمر الذي كان يستحيل فيه أن يعلم به مواطنو  القرية الذين توجهوا لأعمالهم في الحقول الزراعية وهو ما نبه إليه مختار القرية قائد القوة الصهيونية .. كما تلقى ملنيكي توجيهات واضحة من العقيد شدمي بقتل العائدين إلى القرية دون علم بتقديم ساعة حظر التجول .. وكان أول الضحايا أربعة عمال حيوا الجنود الصهاينة بكلمة ” شالوم ” العبرية  فردوا التحية بإطلاق النار حيث استشهد ثلاثة منهم ونجا الرابع حين توهموا أنه لقي مصرعه هو الآخر.. كما قتلوا 12 امرأة كن  عائدات من جمع الزيتون وعلى مدى ساعة ونصف سقط 49 شهيداً و13 جريحاً هم ضحايا مذبحة كفر قاسم المرتب لها مسبقاً من جيش الاحتلال الصهيوني الباغي ..  وهنا أنقل شهادة ناجٍ من تلك المذبحة ويدعى الحاج صالح صرصور نقلاً عن عرب 1948  .. حيث روى  تفاصيل عنها ويدعى الحاج صالح صرصور من كفر قاسم الذي أوضح أن” فصول المجزرة الرهيبة وقعت في 29 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1956، عشية العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) على مصر، حيث كان الحكم العسكري مفروضاً على العرب الفلسطينيين في جميع أنحاء  الدولة العبرية طيلة 8 سنوات، واستمر حتى العام 1966، وفي ذلك اليوم المشؤوم قرر الحاكم العسكري فرض منع التجول المفاجئ على كفر قاسم حيث توجه الناس إلى أعمالهمباكراً دون أن يعلموا بذلك حيث استشهد غيلة نحو 49 شاباًوامرأة  وبدم بارد.

وسرد الحكاية بتفاصيلها حيث قالأنهفي يوم الإثنين الموافق 29/10/1956 وبعد أن صدح صوت الأذان من المسجد خرج من منزله متجهاً إلى عمله بالفلاحة حيث كانيجمع القطن على دراجته الهوائية، وهي وسيلة التنقل التي كان يستخدمها في تنقلاته، كان الجو بارداً جداً قبل طلوع الشمس وكان برفقة العشرات من أبناء بلدته كفر قاسم والمنطقة، بعضهم من العمال وغالبيتهم من الفلاحين.

في يوم المجزرة، كان هو وأبناء بلدته الذين يقدرون بالعشرات يعملون في مفرق “يهودوأثناء عملهم كانوا يشاهدون  العشرات من المركبات العسكرية تتجه نحو الجنوب للبدء بالعدوان الثلاثي على مصر.

ولما انتهوا من العمل، عزمواعلى العودة إلى بلدتهم كفر قاسم على دراجاتهم الهوائية وذلك في حوالي الساعة الرابعة والنصف بعد العصروكانوا نحو 12 شاباً من نفس الجيل، كان عمره 18 عاماً، ودراجته لم تكن بأفضل حال، حيث سبقه من كانوا معه وبقي لوحده. مرت أمامه سيارة لشخص من كفر قاسم، أمسك بعربته كي تجرهوهو على الدراجة، ليستريح، بعد أمتار قليلة وقف ليتحدث مع معلمه في العمل، وبدوره وضع دراجته في عربته وركب معه. وقبل المجزرة بدقائق، اقتربوا من حاجز عسكري لجنود ما يسمى “حرس الحدود” على أحد المفارق القريبة من البلدة، إلا أن الضابط أشار لهم بالاستمرار، لم يكونوا يعلمون شيئاً عن نواياهم في حينها،كانت أراضي كفر قاسم كلها طرق صعبة، جبلية ملتوية، وعند وصولهم أعلى المنحدر رأى أمامه أصدقاءه الذين سبقوه على دراجاتهم يقفون صفاً واحدا أمام حاجز من الجنود المدججين بالأسلحة، عند النصب التذكاري.

وفجأة، عند اقترابهم من الحاجز بنحو 200 متر، سمع صوت إطلاق رصاص كثيف صوب الشباب ذاتهم على الدراجات، بعضهم أصيب وبعضهم قتل على الفور، والبعض استطاع الفرار، صوت صراخ وعويل واستنجاد إلا أن ذلك لم يمنع الجنود من استمرارهم بارتكاب المجزرة. أنزلوا أحد الشهداء أمامه، كان في عربته، وأطلقوا عليه الرصاص من مسافة صفر، مع تأكيد على القتل..وكان هو في العربة مع ستة مواطنين من سكان بلدته ، عند اقترابهم من الحاجز وبعد إطلاق الرصاص صرخ عليهم أحد الضباط وشتم السائق وقال وهو يسب ويشتم بلهجة عربية لماذا وقفت؟ أكمل السير. بعد صراخ الضابط انتابهم شعور بالخوف الشديد، أكمل السائق سيره وعند المفرق حين انحنى السائق ليدخل إلى الطريق المؤدية لكفر قاسم، في وقت أعطوهم الأمان أطلقوا عليهم النار، كان الرصاص يخترق السيارة وبكثافة رهيبة، حتى تعطلت عجلات السيارة وتدحرجت ووقفت لوحدها. استشهد من كان يجلس بجانبه وهو الشهيد محمود عبد الغافر من كفر برا، حرّك جسده منادياً إياه “قوم يا محمود خلص الطخ” إلا أنه كان غارقاً بدمه وارتقت روحه إلى السماء.

توجه إلى منزله مذعوراً من المنظر الذي رآه ، لم يستطع أن يقود دراجته من الخوف. سار إلى داخل البلدة القديمة من الشارع الرئيسي، رأته دورية للجنود ولحقت به بسرعة ، في حينها ألقى بالدراجة وهرب مسرعاً على الأقدام، كان بيته قرب المكان، حتى تمكن من الهرب والاختباء فيه.

لم يكن الناس في ذلك الوقت يعلمون بما جرى في البلدة، حتى انتشر الخبر في اليوم التالي. كان الجيش يريد أن يخفي جريمته بدفن الشهداء في مقبرة بعيدة بالقرب من جلجولية وإطلاق إشاعات بأن القتلى كانوا باشتباك معه، إلا أنهم لم يستطيعوا حجب الحقيقة.لم يعرف النوم لوقت طويل بعدها وسيطرت عليه مشاعر الخوف الشديد، وتغيرت حياته ولم تعد طبيعية.

بتقديره أن المجزرة ارتكبت بهدف دفعهمللهجرة من هذه البلاد، إلا أنهمآثروا الصمود، وثبّتواجذورهم فيها.وما زالت صور الدماء والجثث المتساقطة، وصوت إطلاق الرصاص يتذكرها والخوف والرعب الذي كان بداخله يوم المجزرة وبعدها بأشهر في ذاكرته وفي ذاكرة أهل القرية الذين فجعوا  بفقدانهم  49 من فلذات أكبادهم فأنى لهم نسيانها؟ .

[email protected],

قد يعجبك ايضا