لماذا الحرب على القضية الفلسطينية عبر غزة ؟

تقبل المنطقة العربية على مزيد من(التوهج) هذه المرة عبر القضية الفلسطينية ، بعد توهجاتها المتواصلة منذ اواخر سنة 2010،على التوالي تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والعراق فالقضية الفلسطينية.. وخلال هذه الفترة، انفصل جنوب السودان عن شماله ، وجرى اخضاع حركة شعب البحرين بقوات درع الجزيرة،وفشلت محاولة تفجير الأوضاع في الجزائر والمغرب والأردن .

لقد كان مأمولا أمريكيا وغربيا وصهيونيا، اخضاع سورية في فترة لا تتجاوز شهرا أو شهرين كأبعد تقدير، لكن صمود سورية اعاق تقدم ما يسمى (الربيع العربي) على الأرض ، ليتوالى فشل الغرب والجماعات المسلحة والمعارضة التابعة،في تحويل الانتصارات العسكرية السورية الى هزائم سياسية .

ذلك في الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة الأمريكية مآزق عديدة على صعيد اوضاعها الاقتصادية المتردية ، وعلى صعيد تراجع الحريات الديمقراطية في الداخل ، وعلاقاتها بدول ألـ بريكس وغيرها من الدول اللاتينية فضلا عن كوريا الديمقراطية وكوبا وسورية وإيران وغيرها من شعوب العالم كـ الشعب الفلسطيني والبحريني والعراقي .. فضلا عن مأزق اوكرانيا الذي تتشارك فيه مع الدول الأوربية الغربية .

أما اوروبا وبخاصة الغربية منها، فقد فتحت على نفسها في اوكرانيا، ( وعلى اوكرانيا ) بابا هو اقرب الى المأزق منه الى اي شيء، موغلة في حالة انتحار طوعي، في وقت تتعامل فيه روسيا بمنتهى الهدوء مع الدمل الأوكراني، الذي خلقه الغرب ، في حين يسيل مداده اللزج الكريه باتجاه الغرب.. بالتزامن مع ازمات اقتصادية مستفحلة تعيشها دول الاتحاد الأوروبي ، سيزيدها الدمل الأوكراني مأزقاً على مأزق .

والكيان الصهيوني يعيش ازمة صراع داخلي مستفحلة على السلطة، بعد فشلي 2006 و2008 ، ما يستوجب من وجهته افتعال ازمة تحسم الصراع داخله في اتجاه ما، بغض النظر عن التداعيات اللاحقة وانعكاساتها عليه اقليميا وعلى داعميه الدوليين الذين يعانون هم الاخرين كما اسبقنا من ازمات مستفحلة .

من هنا عملت هذه الأطراف في ظل ازماتها العامة واخفاقها في سورية على افتعال ازمة اوكرانيا ، وعندما فشلت ( وسيتضاعف فشلها ) اخذت في تعقيد التوصل الى حلول مقبولة مجددا على صعيد الملف الإيراني النووي ، وعندما تبدى واضحا ان ايران روحاني لا تختلف كثيراً عن ايران نجاد استراتيجيا .. كان لا بد من عملية خلط للأوراق معقدة على الارض العراقية ، تشارك فيها اطراف متباينة حد التناقض في كل شيء ، بحيث تتصارع فيها اطراف يفترض انها في صفٍ مواجه للإرهاب والتطرف ، فيما ( تتحالف ) اطراف مختلفة فيما بينها في كل شيء !؟ فالمهم من وجهة أمريكية غربية صهيونية ، انشغال الكل بالكل ، واغلاق خطوط إمداد سورية بعناصر القوة براً عبر العراق ، واطلاق العنان لتسلل الارهابيين الى سورية مجدداً .

لكن هذه الخطة فشلت مجددا، وبسرعةٍ تُضاهي السرعة التي حققت فيها نجاحات مفاجئة ، حيث بدأت الجماعات الارهابية تفرز نفسها عن القوى الأخرى التي وان فصلت بينها وبين الدولة العراقية ( داحس والغبراء ) من الاحن والخلافات والاختلافات، الا انها تحمل اجندات مختلفة تماما، وهي اذا جد الجد ووضعت امام خياريْ داعش والجماعات الإرهابية من جهة وبين الدولة العراقية بما فيها من اخطاء وخطايا، فإنها ستكون اقرب الى الدولة، او على الحياد على اقل تقدير، وستحارب داعش واخواتها وهذا امر ليس ببعيد لا كخيار ولا من حيث الزمان ، بحسب توقعاتنا ومعلوماتنا معا.

اقول وقد فشلت محاولة الخلط الجديد للأوراق على الارض العراقية، وعلى صعيد إعادة الكرّة على سورية ، كان الخيار العدواني، هذه المرة فلسطينيا ، وبطريقة تُحدث خلطاً جديدا للأوراق اقليميا وعلى الصعيد الفلسطيني ايضاً !؟

حيث قطر وتركيا واسرائيل في محور يحاول عبر حماس فرض حل استسلامي (ابتداء من تجاهل ما يحدث في القدس والضفة الغربية والمقدسات ) بالتركيز اعلاميا على ان غزة وحماس كأنما هي الطرف الوحيد المقاوم للكيان الصهيوني فيما حقيقة الأمر أن هناك اطرافا عدة تقاتل ضده باقل قدر من الضجيج والظهور الاعلامي وهو المفترض لسلامة المقاومة وتكتيكاتها .

فضلا عن المقاومة الشعبية للعدو الصهيوني في العديد من المواقع بالضفة حيث استشهد البعض وجرح المئات واسر المئات ( فضلا عن جدار الفصل العنصري وتهديد الاقصى واحتلال الاغوار والاستيطان وسحب حق المواطنة لـ 40 الف مقدسي الخ )

ولا بد ان التركيز الاعلامي على حماس وغزة يحقق من وجهة الجماعات المعادية للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ؛ الأمور التالية :

ـ خلق حالة من الاختلاف والافتراق بين حماس والقوى الفلسطينية الأخرى المقاومة على ارض غزة.

ـ خلق حالة من الافتراق مجددا بين الضفة والقطاع واعادة تكريس الانفصال بينهما .

ـ افشال المصالحة الفلسطينية واسقاط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية .

ـ خلق فصام قد يطول مع مصر ، التي قدمت مبادرة ليست مثالية كما قال احد قياديي الجهاد الاسلامي ، لكنها المبادرة الوحيدة الموجودة بين يدي الفلسطينيين ، والتي عليهم تطويرها .

ـ ادخال الشعبين الفلسطيني والمصري في حالة من الكراهية جراء ما اقترفته جماعات اخونية مصرية وجراء مساندة حماس او اطراف فيها لما اقترفته تلك الجماعات وما زالت تقترفه من اعمال ارهابية.

ان قطر التي تستضيف قاعدتين امريكيتين على اراضيها واسهمت باشكال عديدة مع تركيا (عضو حلف النيتو) في الحرب على ليبيا وسورية.. لن تكونا حريصتين على القضية الفلسطينية.. ولا بد أن مصر التي تربطها علاقات التاريخ والجغرافية والديمغرافيا والأمن بغزة وشعبها أحرص على الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية وغزة من قطر وتركيا.

ولا بد ان هذا يستوجب على القيادة المصرية التي تتوسم بها الأمة خيرا، وقف الدعوات التحريضية العنصرية التي روجت لها بعض الأقلام في مصر ، من خلال اختزال القضية الفلسطينية بحماس الاخونية او بعض قياداتها .

(( ذلك أن حماس شيء وغزة شيء اخر، بل ان الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة سنة 1967 شيء وحماس شيء اخر.. والمقاومة الفلسطينية ليست حماس بالضرورة ، واكثر من ذلك ليست قواعد حماس هي قياداتها المرتبطة بمكتب الارشاد العالمي الاخوني المرتهن قرارها به ، وجناحها العسكري ليس على وفاق كامل مع القيادة السياسية لحماس (..)

(( ومهما يكن من امر اخطاء حماس وتجاوزاتها وخطاياها ، ليس من المعقول ولا المقبول بحال أن يكون البديل؛هو الكيان الصهيوني، بل ان دعوات من هذا القبيل في مصر، تحت مرأى ومسمع النظام السياسي الجديد،لا يمكن اعتبارها الا انها إما مقبولة من هذا النظام ومحل ترحيب؛ أو ان جهات ما تريد تشويه الوجه الناصع له الذي طالما راهنت عليه القوى القومية واليسارية  في مصر والمنطقة العربية )) .

وعلى الشعب الفلسطيني جماهيراً وفصائل وقيادات سياسية ، محاذرة محور قطر تركيا اسرائيل الذي يريد ركوب حصان حماس لإفشال اي حل لا يريدونه،حيث ترتبط الدوحة وتركيا بجماعة الاخوان الدولية وتنفذان اجندتها،وهما معنيتان باسقاط أي حل يأتي به أي ظام جاء بنتيجة اسقاط نظام العيّاط الاخوني، بغض النظر عن تفاصيل الحل .

من المرجح ان مشروع الحل المصري ليس مثالياً ولا حتى مرضيا ، لكن بحسب قيادي في الجهاد الاسلامي لا بد من التعامل معه وتحسينه لصالح الشعب الفلسطيني.

وفي تقديري ان الحرب الإسرائيلية على القضية الفلسطينية ترتبط هذه المرة بأجندة اقليمية، ايضاً،بمعنى انها ليست سريعة الحسم، بل ستكون طويلة الأمد، باعتبارها حرب ارادات واجندات ، تتعلق نتائجها وتداعياتها بالمنطقة ككل، وقد تتسع وتأخذ اشكالا اخرى، وتحالفات مختلفة وستكون لها امتدادات وانتقالات الى ساحات أخرى، قريبة جدا وبعيدة نسبياً، تكرس اكثر قياداتٍ تاريخية اقليمية ، وتسقط اخرى .

عمان في 28 تموز ، 2014

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا