رحلة في أقصى الليل!! / محمود حسونة




رحلة في أقصى الليل!! بقلم: محمود حسونة
محمود حسونة ( السبت ) 14/10/2017 م …
رحلة في أقصى الليل!!!
ماذا تعرف عن الحرب؟؟!! ماذا تعرف عن فزع الأطفال ، وذعر الآباء، ولوعة الأمهات؟؟!!
ماذا تعرف عن دمية فقدت صاحبها، وصدى أغنية ظلت تتردد بين جدران متصدعة؟؟!!
ماذا تعرف عن قشعريرة الخوف، وارتعاش الأطراف، وعن العيون الشاخصة مع وحشة الترقب؟؟!!
ماذا تعرف عن منزل مهشم يتوق لضحكات أطفاله، وعن أسرة تركت حاجاتها فزعة من موت مباغت، وأخرى تشتتت وفجعت بفقيد؟؟!! ماذا تعرف وماذا تعرف عن الحروب؟؟!!!
الحرب تُعاش و لا تُحكى!!!
الحرب تُعاش لحظة بلحظة، الحرب لا تُشرح ولا تُحكى ولا توصف!!! وصف الحرب لا ينطلق من محسوس أو ملموس!!! فهناك شيء غزيرغير مرئي في الجوف يستحيل النظر فيه ووصف ماهيته بدقة!!! حتى لو وظفت كلّ ما لديك من طاقة وموهبة وفلسفة وثقافة عالية!!!! لا يمكن الوصف بالمشاهدة أو بالصورة ذات الدقة العالية، حيث تزدحم الأحداث،وتتكدس الآلام.
يتعطل السرد المنطقي المتسلسل الذي يعقلن العبثية ويشرحها، وتفشل المحاولة لتأليف ترتيلة للموت وللعبث، الحرب تضعك في قلب الفوضى والرعب والخراب، وتجعلك على صلة مباشرة مع مكونات المأساة المتعنتة. ولكي تقترب من وصفها بالبسيط عليك أن تمنح لكل واحد حنجرةّ لتستمع لتراكمات الألم والآهات والتمزق الداخلي.
تبحث فقط عن من ينتشلك من وحشية الحرب ولو بجرعة ميتافيزيقية!! تنخفض الحاجة إلى مستواها الغريزي الأبسط: الرغبة في البقاء على قيد الحياة فقط لا غير!!! وهذا أجرأ ما في المشهد!!! فمجرد النجاة هو انتصار في ذاته، ومناكفة لحتمية الموت الشاخص أمامك في حالة انتظار!!! فكل شيء يتواطؤ مع الموت و العبث ، لا حلول وسطى!!!
في وقت الحروب الموت هو الأصل والقاعدة، وما سواه هو استثناء!!! الحياة تصير استثناء، معجزة، مصادفة. هذا ما يفضحه الواقع المتشظي الشبه صامت. فهو لا يحتاج إلى أقوال طويلة مملة لقول ما يُقال!!!
أين الملاذ في مكان يحوم فيه الموت ذهاباً وايابا؟؟!! كيف الخلاص والتفلت من البهيمية المتوحشة؟؟!!!
كيف يمكنً إيجاد ملاذ في مكان يحدّق فيه الموت ، موت حقيقته ضرورة لا تشغلها هموم الواقعية المنطقية!!!! تلتقط الأحداث بزمانها ومكانها بكل الحواس، يثقل عليك دسامة الإحساس، تشعر بسطوته عليك ، وأخيراً تجد نفسك في وسط النيران التي ستلتهمك، تدرك لحظة بعد لحظة الخطر المحدق . لا مكان للزيف كلّ ما تراه حقيقة في مشهد عريض صارخ!!!
الكل في حالة دوران بلا توقف، في مسرح الأحداث مباشرة بلا مقدمات، لا تستطيع أن تجد منطقة وسطى ،لا تستطيع أن تقف في منتصف الطريق ،حالة عناق مع الموت ، حالة عليك التماهي معها دون راو أو رواية!!!
مشاهد متشابكة مشبعة بالهواجس والخوف والهذيان والإرتباك والشجاعة والجبن تشوش العلاقة بين ما تراه وما لا تراه ،بين ما تراه وبين ما تشعر به ،بين ماتراه وما يشعر به غيرك!! تقذفك في طوفان اللحظة!!!! حيث تفقد التوازن بين اللحظات ؛إنها لحظات الذروة ،ترى وتسمع وتحس وتشم: ترى من ينزف ومن يسعف، من يهرب ومن يتقدم!!! تسمع صراخا مريرا،و أنينا مكتوما !!!وتتذوق الألم جرعات!!! تحس بالشجاعة والجبن من أقصاها إلى أقساها في آن واحد!!! تشعر بالقوة والضعف حالة ذهنية مرتبكة!!! ترى وجوها تحدق في كل شيء وهي في كامل رعبها وفي أقصى استعدادها للموت.
من الشجاع؟؟!! من الجبان ؟؟!! متى تبدأ الشجاعة؟؟!!!أين ينتهي الجبن؟؟!! أيهما الغريزي ؟؟!! أيهما المكتسب؟؟!!
إنه الموت يتربّص ، يخيم فوق، و يلتف حول المكان ،قد ينهش في أية لحظة !!!
هذه هي الحرب رحلة إلى وفي أقصى الليل، دوامة عنف مكثف تتجسّد عبر إيقاع ماتيماتيكي جاف قاطع كالسيف شديد التوتر!!! يدوس المشاعر الإنسانية، لتكون الغصّة مستعجلة أو مؤجلة إلى ما بعد !!!
(أعطوني المال الذي تم إنفاقه في الحروب وسوف أكسو كل رجلٍ وكل إمرأةٍ وكل طفل في العالم بملابسٍ من التي يفتخر بها الملوك والملكات .. سأبني مدرسةً في كل واد على كامل الأرض .. سأتوّج كلّ تلّةً بمكان عبادةٍ مكرّسٍ للسلام) تشارلزسمنر.

قد يعجبك ايضا