الإرهاب الأصولي لليهودية… وتزوير الآثار / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الخميس ) 7/9/2017 م …




من يطالع الصحف الصهيونية يومياً، يُستفز بشكل كبير من عناوين مقالات كتّابها، فالسمة الأبرز للاستراتيجية الصهيونية هي الإرهاب. دليلي على ما أقول هذا العنوان لصحيفة صهيونية: «النفاق العربي والإسلامي في الدفاع عن حرية الفلسطينيين في ممارسة الإرهاب».

الصهيونية والإرهاب صنوان، متلازمان، وكالعادة حاولت الحركة الصهيونية وتحاول تصدير بضاعتها الرئيسية، الإرهاب، إلى العرب والمسلمين، فهي وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية عموما، هم من كانوا وراء ما يسمونه «الإرهابية الأصولية الإسلامية»، فمثلا نسأل: من الذي أنشأ تنظيم «القاعدة» في الثمانينيات لمحاربة التدخل السوفييتي في أفغانستان؟ ثم مذكرات هيلاري كلينتون، التي أكدت فيها أن «داعش» هي صناعة أمريكية، ثم ما قاله ترامب عن مرحلة الرئيس السابق أوباما في أنه ساهم في صناعة «داعش». بالمعنى الفعلي فإن إسرائيل ساهمت وتساهم في دعم «داعش» و»النصرة»، وتعالج جرحى الجانبين في مستشفياتها، واعترف نتنياهو بالعلاقة مع النصرة، ووزير المالية الإسرائيلية اعترف في تصريح حديث له بأن قيمة دعم إسرائيل للمنظمات في سوريا خلال العام الماضي 2016 بلغ 135 مليون دولار.

نذّكر، أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت الولايات المتحدة والحركة الصهيونية وإسرائيل والبعض من الدول الغربية تصوير أن العدو القادم للبشرية هو «الأصولية الإسلامية»، وجرى التركيز كثيراً على هذا الشعار.

بالطبع نحن ضد التطرف الديني في أي ديانة، وضد قتل الأبرياء مهما كانوا، وأيّاً كانت ديانتهم، والتطرف في أي قضية هو سلبي بامتياز، وإن يُلحق الأذى بأحد، فبأصحابه أولاً قبل الآخرين. للأسف لا نسمع حالياً، كما لم نسمع سابقاً عن توجيه الاتهامات للتطرف والأصولية في الأديان والمعتقدات الأخرى، وكأن الأصولية هي حكر فقط على الإسلام، بينما من يدقق ويتابع في معنى وجوهر ومضمون هذا التعبير يرى أنه أيضاً يتوفر بكثرة في الديانتين الأخريين: المسيحية وأيضاً اليهودية، ولعل الأخيرة هي الأشّد خطراً بين كافة الأصوليات.

في المسيحية يوجد التيار الواسع الذي يُطلق عليه «الصهيو- مسيحية» أو «اليهومسيحية»، وهو تيار منتشر في الغرب، وعلى الأخص في الولايات المتحدة. هذا التيار يعتقد بوجوب دعم دولة إسرائيل والدفاع عن بقائها، لأنه اشتراط إلهي لأسباب دينية، ولذلك فإن هذا التيار الواسع كثيراً في أمريكا، يقدّم المعونات بكافة أشكالها ووسائلها لإسرائيل، حتى بصورة أكبر مما تقدمه لها الحركة الصهيونية، فهو يملك آلاف الجمعيات والكنائس والفضائيات والإذاعات والصحف وكافة الوسائل الأخرى، من أجل دعم إسرائيل، التي إن اختلفت معه للأسباب الدينية البحتة، فإنها تسانده وتغذيه وتنتبه إليه، وتملك وتقيم أفضل الصلات مع زعمائه، وهذا ما وضحه الدكتور يوسف الحسن في كتابه المعنون «البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي -الصهيوني». كما أن القس الأمريكي الذي مزّق القرآن الكريم، يمثل ظاهرة التطرف والأصولية في المسيحية، إضافة لذلك الإساءات للنبي الكريم محمد ، سواء عبر الكاريكتيرات أو عبر مظاهر أخرى، كل ذلك يعّبر عن نزعة التطرف الأصولية لدى أصحابه.

في اليهودية، ظاهرة التطرف هي الأشّد خطراً في التاريخ، فالتعاليم المحرّفة للتوراة التي صاغها الحاخامات اليهود وفقاً لمصالحهم، تنطلق من الذاتية و»الأنا» المطلقة، والعدوان على كل الآخرين، واحتقارهم، ففي سفر إشعيا نجد: «ليمت جميع الناس ويحيي إسرائيل وحده». «يرفعك الله فوق جميع شعوب الأرض، ويجعلك الشعب المختار»، و»يقف الأجانب، يرعون أغنامكم، أما أنتم – بني إسرائيل- فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون». لم تقتصر الأصولية اليهودية التاريخية السابقة على تحريف التوراة والتلمود على أيدي زعماء الطائفة من الحاخامات، الذين أنكروا على اليهود الحق في كل أنواع التعليم (باستثناء التلمود والصوفية اليهودية)، فدراسة جميع اللغات الأخرى كانت محرمة بصرامة، وكذلك دراسة الرياضيات والعلوم والجغرافية والتاريخ، بل جاء الحاخامات المعاصرون «الحاليون» ليترجموا هذه العقائد إلى سياسات ممارسة بعد إنشاء دولة إسرائيل، «فيجوز قتل العرب حتى نسائهم وشيوخهم وأطفالهم»، و»العربي الجيد هو العربي الميت»، «العرب ليسوا أكثر من أفاعي».

هذه الفتاوى للحاخامات تخرج وتندرج على ألسنتهم في العصر الحالي (القرن الواحد والعشرين)، فقتل اليهودي جريمة كبرى وواحدة من أسوا ثلاث خطايا (الخطيئتان الأخريان هما عبادة الأوثان والزنا)، وحين يكون الضحية غير يهودي يختلف الوضع كلياً، فاليهودي الذي يقتل غير يهودي فيجب أن لا تعاقبه أية محكمة، بل عقابه فقط عند الله. هذه القاعدة تعتمد عليها المحاكم الإسرائيلية في محاكمة الجنود والمستوطنين، الذي يقتلون فلسطينيين عن سابق إصرار وترصد، يقتلونهم حتى لو كانوا جرحى! أما التسبب غير المباشر بموت غير اليهودي، فليس خطيئة على الإطلاق. (من يريد الاستفادة في دعوة هؤلاء إلى قتل غير اليهود فليقرأ كتاب المؤرخ الإسرائيلي المتوفى إسرائيل شاحاك بعنوان «الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة).

لكل ذلك نجد هذا الترحيب من الإسرائيليين بالمآسي الفلسطينية، تذّكروا حادثة مصرع أطفال فلسطينيين، وجرح العشرات في حادثة سير، واصطدام الحافلة التي كانت تقلهم بشاحنة إسرائيلية عام 2014، وامتلاء المواقع الإلكترونية الإسرائيلية بتعليقات الابتهاج والفرح الشديد من نمط «الحمد للرب على هذا القتل»، «الشكر للرب لأنهم فلسطينيون»، «لماذا لم يموتوا كلهم»، «في المرة التالية فلتتأكدوا تماماً من موتهم». وعلى هذه الشاكلة كان الكثير من التعليقات.القائد العسكري الإسرائيلي ورئيس الأركان الأسبق رفائيل إيتان هو صاحب مقولة «العرب ليسوا أكثر من صراصير»، لهذا السبب العقائدي التوراتي التلمودي تجد غالبية اليهود الإسرائيليين، أصوليين متطرفين، على شاكلة مئير كهانا، وغولد شتاين، وليبرمان، ونتنياهو ليس أقل تطرفاً ولكنه يغطي قبضته الحديدية بقفازات حريرية بحكم استحقاقات المنصب، وغيرهم وغيرهم من القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية. الأصولية اليهودية تدعو إلى القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين والعرب، يذكر ذلك الدكتور مازن حنا في كتابه المعنون «الرأسمالية والتطهير العرقي في التوراة» وكتاب إيلان بابيه «التطهير العرقي للفلسطينيين». ومع كل ذلك لا يجري التحذير من الأصولية الأشدّ خطراً في التاريخ، وهي «الأصولية اليهودية» بالطبع كافة القرّاء يعرفون أسباب ذلك.

على صعيد آخر، فإن قطعة نقدية أثرية عثرت عليها فتاة قبل عشرة أيام، صوّرتها الصحف الصهيونية (لكون الكتابة عليها بالعبرية) باعتبارها أثرا يهوديا. لذا، نشر نتنياهو صورتها على صفحته في الفيسبوك، وادعى أنها تاريخية تعود إلى أيام الهيكل الثاني المزعوم، وادعى البروفيسور زوهر عومر من جامعة بار ايلان أنها عملة من فئة «نصف شيكل» وتعود إلى ايام التمرد اليهودي ضد الرومان في فترة «الهيكل الثاني». نتنياهو الذي يحاول البحث عن أثر قديم، يثبت أن اليهود عاشوا في فلسطين، وكان لهم هيكلهم الأول، ثم الثاني، كان سعيدا بالعثور على القطعة النقدية. لأن ذلك يبرر ادعاءاته الكاذبة وأضاليل دولته حول فلسطين، كما يبرر المسوغات الصهيونية لتكريس الاحتلال والتهرب من الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وقال إن «هذا الاكتشاف المؤثر هو دليل آخر على الارتباط العميق بين شعب «اسرائيل» وبلاده – القدس، والهيكل ومستوطنات يهودا والسامرة». لكنها فرحة ما تمت فقد اكتشف موظفو «متحف اسرائيل» أنها ليست عملة قديمة ولا يحزنون، إنما نسخة تم صكها على قطعة حديثة العهد كما يبدو قبل 15 أو 20 سنة، بمبادرة من المتحف، كجزء من الإرشاد الذي يقدمه المتحف للأطفال، وتم في حينه تقديم وتوزيع مئات القطع التي تم صكها. وقام محرر صفحة نتنياهو على الفيسبوك، بإزالة المنشور الذي نشره نتنياهو «إلى أن يتم فحص الموضوع» . نسوق الحادثة بلا تعليق

قد يعجبك ايضا