هزيمة مشروعهم وانتصار مشروعنا / بثينة شعبان

الإثنين 21/8/2017 م …




 الأردن العربي – انتصار مشروعنا يحتاج إلى عشرات السنين من العمل الدؤوب والهادف لأنه يستهدف إعادة بناء بلداننا على أسس علمية ومؤسساتية ثابتة وصلبة لا يمكن لأحد النفاذ إليها مهما كانت المخططات والمقدرات الداعمة لها.

دحر الإرهاب والتكفيريين عسكرياً وميدانياً ليس كافياً.

لماذا قلت إنّ هزيمة مشروعهم لا تعني آلياً انتصار مشروعنا؟ ذلك لأن انتصار مشروعنا يتجاوز بآفاقه وأهدافه ومضامينه وطموحاته هزيمة مشروعهم. لأن مشروعهم الظلامي قائم على القتل والتدمير والتفتيت وسحق كرامة الإنسان في سبيل أهداف خطط لها أسيادهم واستخدموهم كأدوات إرهابية بعد أن سحقوا إرادتهم ورؤاهم وسلبوا قدرتهم على التفكير والقرار فتحوّلوا إلى مجرد خونة وعملاء ومرتزقة.

ولأنّ مشروعهم كذلك فإن هزيمته تتطلب أولاً مراجعة البيئات والظروف والعوامل التي مكّنت مثل هذا المشروع من رؤية النور على أرضنا الطاهرة الطيبة ومراجعة كلّ آليات العمل والواقع الاجتماعي، والاقتصادي، والخدمي، الذي مكّن البعض من أن يجد في أبناء هذه البيئات حطباً جاهزاً لإحراق الوطن.

أي أنّ دحر الإرهاب والتكفيريين عسكرياً، وميدانياً، ليس كافياً لضمان عدم عودة مثل هذه الأحداث مرة أخرى عاجلاً أو آجلاً، بل لا بدّ من دراسة كل الظروف التي تركت خواصر رخوة في البلاد مكّنت الأعداء وأدواتهم من النفاذ منها وتوقع إمكانية إسقاط الدولة من خلال هذه الخواصر، وإلحاق بالغ الأذى بالبلاد رافعين شعارات الحرية والإسلام الكاذبة المخّادعة لتمرير تدميرهم الممنهج الذي تشهد عليه بلدان شتى.

بل إن ضمان عدم عودة مثل هذه الحرب المؤلمة إلى ديارنا تتطلب مكاشفة جريئة لعشرات السنوات التي سبقت هذه الأحداث مع جردة حساب دقيقة حول الواقع الخدمي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتربوي على امتداد الوطن ولاسيما البقع الجغرافية التي انطلقت منها شرارة الأحداث، أو التي شكّلت حاضناً اجتماعياً لما تمّ تسويغه من نظريات ومقولات.

وفي هذا خدمة هامة ليس فقط لمنع أسباب أي حرب مشابهة في المستقبل وإنما لمعالجة مواطن الضعف التي كان يشير إليها بعض المواطنين الخلّص دون أن يلقوا آذاناً صاغية من قبل من يريد أن تبدو الأمور مشرقة ليسجّل قصة نجاح تنسب إليه وتزيد من سلطته أو تأثيره. وفي هذا أيضاً خدمة لكل أبناء الشعب السوي في مختلف أنحاء البلاد لأنه يعني مسحاً تربوياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ومحاولة التعرّف على أي مسبب للمعاناة التي قد تتحول إلى غضب إذا ما تركت دون معالجة.

وهذا لا يعني طبعاً أننا نقللّ هنا من حجم الاحتضان الإقليمي، والدولي لاستهداف سوريا، أو من حجم التمويل والتسليح وتمرير الإرهابيين واستقطابهم من كل أنحاء الأرض، ولكننّا نركّز في هذه الجزئية على العوامل الداخلية المساعدة بعد أن بذل جيشنا، وشعبنا، تضحياتٍ أسطوريةً لدحر هذا الإرهاب من ربوع بلادنا.

وفي هذه المراجعة استئصال للجذور التي يمكن أن تعود إلى الحياة إذا ما عادت وتوفّرت لها الرعاية ذاتها والإمكانات ذاتها. وكلّ هذا ما زال يصبّ في هزيمة مشروعهم، ولكن في هزيمته إلى الأبد بحيث لا يجد خلال قرن مقبل متنفساً أو موطئ قدم أو سمّ أبرة يستطيع أن ينفذ منها إلى جسد البلاد.

أما انتصار مشروعنا فهو أهمّ من ذلك بكثير وأبعدُ من ذلك بكثير لأنه يهدف إلى إعادة بناء الدولة والمشروع العربي الكبير على أسس تختلف جذرياً عن الأسس التي وضعتها معاهدة سايكس وبيكو ووعد بلفور، ولأنه يهدف إلى مراجعة كل الانتكاسات والهنات والتقصير والسذاجة والتواطؤ التي شابت مسيرة العرب خلال قرن مضى، والتي أوصلتهم إلى هذا المصير الذي أودى بخيرة شبابهم إلى أماكن اللجوء وأصبح العرب يمثلون أكبر نسبة من اللاجئين في العالم مع أنهم يعيشون في قلب العالم وفي أجمل وأغنى بقعة جغرافية تعتبر محطّ أنظار وحسد العالم بأسره.

إن انتصار مشروعنا يتطلّب إعادة الاعتبار إلى النخب العربية وتكليف هذه النخب بوضع رؤى واستراتيجيات مستقبلية في جميع الاختصاصات والميادين ومن ثمّ وضع هذه الرؤى والاستراتيجيات موضع التنفيذ من خلال آليات عمل تحاكي آخر ما توصل إليه البشر من آليات عمل وتوطنّها وتموضعها في بلداننا وحسب حاجاتنا. وهنا علينا تصحيح إشكالية تاريخية يعاني منها معظم العرب وهي العلاقة بالغرب والعلاقة مع الأعداء.

العلاقة مع الغرب تاريخياً هي علاقة انبهار دون استفادة من طرق البحث والإنتاج، وبناء المؤسسات، والعلاقة مع العدوّ هي في إدانته وتجاهله دون دراسة الوسائل التي مكنّته من ربح معركة هنا وأخرى هناك. وسبب هذا الخلل هو عدم متانة الشعور بالمواطنة والوقوع إما في فخ الكره للآخر كتعبير عن الانتماء الخالص، وإما في فخ تجاهله تعبيراً عن القدرة الجوفاء.

لقد بلغت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وماليزيا ما بلغتا من قوة من خلال إرسال مئات الآلاف من الطلبة إلى الغرب للتخصص في مختلف العلوم ولكن بعد تحصينهم وتوفير بيئة ومستوى حياة لهم مماثل لما تقدمه لهم أي دولة غربية، وبعد عودتهم أحدثوا نهضة في الجامعات والبحث، والسياسة، والاقتصاد وبناء الدولة.

اليوم علينا أن نعكف على دراسة تجارب الآخرين، والاستفادة من الناجح منها وأقلمة مضمونها على واقعنا العربي واعتماد مقاييس عالمية في البحث، والعمل والتكنولوجيا، وبناء الدول. انتصار مشروعنا يحتاج إلى عشرات السنين من العمل الدؤوب والهادف لأنه يستهدف إعادة بناء بلداننا على أسس علمية ومؤسساتية ثابتة وصلبة لا يمكن لأحد النفاذ إليها مهما كانت المخططات والمقدرات الداعمة لها.

إن هزيمة مشروعهم شرط أساسي للبدء بتجهيز الأرض لانتصار مشروعنا ولكنه ليس شرطاً وحيداً ولا كافياً لانتصار وعزّة دولنا في المستقبل وضمان تطورها وازدهارها كما نريد لها أن تكون.

قد يعجبك ايضا