الانتصار السوري ؛ انهيار النفوذ الامريكي

عبدالحفيظ ابو قاعود* ( الأردن ) الإثنين 21/8/2017 م …




انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه  في البادية والأرياف  والجرود  ، تفرض على الاستراتيجية الأميركية والاسرائيلية البحث عن “ادوات جديدة” لزجّها في الميدان السوري الملتهب درءاً لهزيمة مدوّية وفقدان نفوذها ومصالحها في الشرق. لذا نجد ان قوات عسكرية أميركية وفرنسية وإنكليزية قد  تحرّكت صوب الحدود السورية العراقية، ويجري تجهيز وحدات من دول الاقليم للتموضع قرب الحدود السورية وداخلها و العمل على  إعداد تشكيلات عسكرية إضافية من ابناء العشائر السورية لزجها في اتون الصراع. لكن الاحتجاج والتهديد الروسي و الاصرار السوري وهلاله المقاوم في استكمال التحرير عطل خطة امريكية لضرب الجيش العربي السوري واستبدالها بتفاهمات “مناطق خفض التصعيد”.

المراوغة الامريكية مازالت حاضرة في الميدان لتغير موازين القوى في الميادين لكن بدون جدوى بالرغم ان هناك بوادر لتدخل عسكري إسرائيلي مباشر في سورية كخطة امريكية بديلة لضرب مجاهدي حزب الله، كما عملت في عدوان تموز 2006 ، وذلك من خلال حشد قواتها في الجولان المحتلّ للعدوان على سورية بذريعة أنّ حزب الله أصبح  قاب قوسين أو أدنى من التحرّك لتحرير الجليل الاعلى. فكان تفاهم عمان بين روسيا والادارة الامريكية على مناطق حفض التصعيد في جنوب سورية  .

الاستراتيجية  الأميركية الجديدة للدفاع عن مصالحها ونفوذها في الشرق ” اخر طبعة ” تتضمن تأسيس “ناتو” على مقاس منظومة التحالف الامني الاقليمي ، للقيام  بدور المجموعات الإرهابية المسلحة التي بدأت تتقلّص وتتهاوى ، وصولاً إلى الانهيار الكامل أمام تعاظم قوة “الهلال المقاوم”.لكن الجيش العربي  السوري يحقق الانتصار تلو الآخر مخترقاً البوادي والارياف والجرود التي كانت مسرحا لتدفق السلاح الى المجموعات الارهابية ،منتزعاً حدود بلاده مع الأردن والعراق ولبنان وتركيا من المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة .

حجج الجيش الامريكي  لمواصلة عدوانه السافر على الجيش العربي السوري واهية وغير مقنعة لوقف تقدّمه باتجاه  الحدود الأردنية والعراقية والتركية ، لأنّ البيت الأبيض يعرف أنّ نجاح الجيش العربي السوري ،هو؛ تحقيق هذه الأهداف ومعناه انهيار الإرهاب والتدخّلات الخارجية وانحسار النفوذ الامريكي في الشرق ومقدمة لتنفيذ العقيدة القتالية للهلال المقاوم للتحرير.

لكن الملاحظ في تحرّك قطعات عسكرية أميركية وأخرى من التحالف الدولي قرب الحدود العراقية السورية وداخلها ، معلومات تؤكّدها روسيا وتفسّرها أنّها دعم للإرهاب التكفيري من جهة، والقوات الكردية المتقدّمة من الشرق إلى الجنوب المدعومة امريكيا من جهة ثانية، تجسّد تهديداً للجيش العربي السوري المندفع لتحرير كامل الاراضي السورية .

وأنّ أوامرا أميركية صدرت الى الحلفاء الاقليمين لتحريك وحدات عسكرية  مكشوفة وأخرى مموّهة بلباس العشائر وراياتها ، لوقف اندفاعة جحافل الجيش العربي السوري والقوى الحليفة التي تهدّد المجموعات التكفيرية المسلحة فحسب ،بل النفوذ الأميركي هذه المرّة. لكن مواصلة الاندفاعة السورية الى الحدود مع الاردن والعراق وتركيا ولبنان فوتت الفرصة على التحالف الدولي من النيل من الدولة الوطنية السورية ، وحسمت المنازلة الكبرى مع الارهاب الدولي ومشغليه ومموليه.

هل الاجهزة الاستخبارية الاقليمية  مكلّفة  بإعادة إنتاج “جبهة نصرة جديدة بأقنعة  أكثر مدنية عن طريق التخفيف من “الإعلام الديني” والنزعة التكفيرية، بحيث تصبح «النصرة حركة “معارضة سوريّة” لديها مشروع سياسي يختلف عن برنامج ” القاعدة و داعش”؟!!!.

سيناريوهات  أميركية إسرائيلية أنتجت قبل أربعين عاماً “القاعدة” في أفغانستان والجزائر، والحرب العراقية الايرانية التي استولدت حروبا ،وحالياً الحروب في سورية والعراق ومصر، لا ستزاف قدرات دول “المثلث العربي” الحاكمة الاقتصادية والعسكرية لإخراجها من معادلة الصراع العربي الصهيوني في المحصلة النهائية. فالاستراتيجية الأميركية تهدف الى  إطالة هذه الحروب في المنطقة لسنين عديدة ،وتأمين تدفق الخزان المالي والبشري، وأكبر كمّية ممكنة من التدمير والتفجير والقتل. وهذا صعب من دون اختراع منظمات تكفير من إنتاج وهابي جديد يعمل في خدمة الأجهزة الاستخبارية الأميركية.

ان أخطر ما في الاستراتيجية الامنية الأميركية الجديدة  لوقف هجوم الجيش العربي السوري وحلفائه المعاكس لتحرير البادية والارياف والجرود، لاستعادة المسار الطبيعي للصراع العربي الاسرائيلي ، هو ؛ الدور “الإسرائيلي” بإعادة تأهيله في “الخدمة الدائمة” مجددا، التي فقدها في حرب تموز 2006 ،لإنقاذ النفوذ والمصالح الأميركية  في الشرق من التلاشي والضياع ، وادامة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة .

الخلاصة والاستنتاج

–  محور “الهلال المقاوم ” عازم على “القتال الواسع المدى” في وجه أيّ “تطوير لاستراتيجية أميركية” جديدة  ضد دمشق  وهلالها المقاوم ، وما أرسلته طهران من صواريخ باليستية من همدان إلى مواقع الدواعش ” في دير الزور إلّا الدليل القاطع على عزم المحور على خوض “المواجهة الكبرى” الى نهايتها مهما كلفت من ثمن باهظ.

–  تهديد الرئيس الايراني حسن روحاني بإلغاء الاتفاق النووي مع 5 +1 في حال استمرار “ادارة ترامب” بالحضر الاقتصادي على ايران ؛ رسالة لها دلالات مهمة في الاستعداد للمواجهة الكبرى في الاقليم.

–   إنّ محور الدولة الوطنية السورية هو الذاهب إلى الانتصار المؤكد مقابل الهزيمة المؤكدة لمنظومة التحالف الامني الاقليمي، الذي استنفد وسائله كلّها مع ازدياد الوعي لدى العرب السوريين أنّ ممثّلهم الفعلي الراعي لمصالحهم ،هو؛ رئيسهم المجاهد وجيشهم الباسل.

–  انحسار نفوذ منظومة التحالف الامني الاقليمي  مقابل تقدّم محور الهلال المقاوم الذي تقوده دمشق ، ما يدفع واشنطن إلى البحث عن  استراتيجية  جديدة . لتجاوز” الورطة الأميركية” في الوحل السوري، فتدخلت روسيا مجددا لانزال  ترامب  من فوق الشجرة عبر تفاهمات مع الادارة الامريكية “على مناطق خفض التصعيد”.

–  مسألة إصرار الدولة الوطنية السوريّة على تحرير أراضيها واستغلال “الانكفاء الأميركي” الحالي للاستمرار في التقدّم حتى لو أدّى الأمر إلى إشعال حرب إقليمية واسعة . لان ما يحدث الآن في سورية والعراق لن يكون أكثر كلفة  من أية حرب مقبلة مع إسرائيل.

–  اشارات ورسائل بعثت بها الادارة الامريكية عبر التحالف الغربي المتصهين لها دلالات صريحة بان اللعبة في سورية قد انتهت ،وان الرئيس السوري بشار الاسد خارج الحل للمسألة السورية .

–  طلب ولي العهد السعودي الوساطة العراقية  لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية للتفاهم على ملفات المنطقة دليل الاعتراف بالهزيمة والعودة بالقبول بنصيحة الرئيس الامريكي السابق اوباما بتقاسم النفوذ في الشرق ،لكن بعد فوات الاوان بالانتصار الحاسم للجيش العربي السوري وهلاله المقاوم في تطهير الجغرافيا السورية من المجموعات التكفيرية المسلحة والاسلحة غير المشروعة .

–  العودة الى احياء  الدور العسكري الإسرائيلي في سورية انطلاقاً من الجولان وبأوامر أميركية، يعكسه أيضاً التعاون الخليجي الإسرائيلي الذي أصبح بالعلن ليدعم العدوان” الإسرائيلي ” على سورية بشكل مباشر، بالإضافة إلى أنّ مواقف سلطة عباس  أصبحت أقرب إلى الموقف السعودي الأميركي “الإسرائيلي”. ما يعزز احتمالات شنّ حرب “إسرائيلية” على سورية ولبنان وغزة ؛ يوجب ان يقابله احياء الجبهة الشرقية وفق العقيدة القتالية للمحور المقاوم.

–  عدم تحقيق اهداف الاستراتيجية الامنية الامريكية في سورية والعراق حدا بالإدارة الامريكية الى التفاهم مع روسيا باللجوء الى مناطق خفض التصعيد لبياض ماء وجه الامبراطورية الامبريالية الامريكية الى حين غير معلوم لبلورة خطة بديلة.

*صحافي ومحلل سياسي

قد يعجبك ايضا