تداخلات وتشابكات أردنية سياسية واقتصادية وأمنية

 

 

الثلاثاء 16/5/2017 م …

تداخلات وتشابكات أردنية سياسية واقتصادية وأمنية

محمد شريف الجيوسي

تتداخل وتتشابك المناسبات وفعالياتها في الأردن ، خلال شهر أيار 2017 ، فمن الأنشطة المتصلة بـ بالتضامن مع الأسرى المعتصين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، حيث تقام خيمة اعتصام يومي للمتضامنين مع الأسرى في باحة حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني ، حيث يحتشد يومياً المتضامنون وتلقى الكلمات الوطنية بالمناسبة ، في حين يشارك متطوعون ؛ الأسرى إضرابهم داخل خيمة الإعتصام ، ويتناولوا الماء والملح .

وتصدرت جمعية مناهضة الصهيوية والعنصرية ( في الأردن ) اعتصام يوم أمس ، وسط حشد كثيف ، والقى رئيس الجمعية الأسبق النائب الأسبق م. ليث شبيلات كلمة بالمناسبة كما تحدثت السيدة الباحثة د. حياة الحويك عطية بكلمة مناسبة والناشط السياسي علي الأطرش .. وقدمت مداخلات من قبل نشطاء من بينهم عم الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج والبطل الجندي أحمد الدقامسة (الذي قضى محكوميته حديثا وأطلق سراحه) وعطا الشراريج .

ويتداول نشطاء أردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الفيس بوك وغيرها الحديث بكثافة حول الأسرى المضربين ، ووجّه رئيس مجلس النقابات المهنية الأردنية خطاباً مفتوحاً لرئيس الوزراء الأردني يطالبه فيه بالتحرك بشأن الأسرى والإطمئنان عنهم بواسطة السفير الأردني لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي وزيارتهم وتأمين زيارات لعائلاتهم لهم .

علماً أنه يوجد في إسرائيل أيضاً عدد من الأسرى والمفقودين الأردنيين منذ سنة 1967 ، وبعضهم في تواريخ لاحقة .

الإهتمام الآخر الذي عاشه الناس في الأردن ، قيام المناضل الأردني من أصول فلسطينية محمد عبد الله سليم السكجي ( وليس القاساجي ) كما تناقلت إسمه خطأ وسائل إعلام ، حيث طعن جندياً إسرائيلياً يعرف باسم ( المجعلك ) عرف بشدة عدائه للشعب الفلسطيني وتنكيله بالمرابطات الفلسطينيات في المسجد الأقصى .. وقد استشهد السكجي ( غير المحسوب على اي جهة بفوره ).

الاهتمام الثالث ، الذي فاق كل الاهتمامات ، ما تردد عن احتمال مشاركة الأردن برياً في غزو أمريكي بريطاني لسورية ، واقتطاع منطقة في جنوبها كـ ( منطقة آمنة ) بكل منعكسات ذلك أخطاراً أمنية وسياسية وعسكرية وإقتصادية وديمغرافية على الأردن وعلى مستقبل العلاقات السورية الأردنية وعلى الإقليم ككل .. وسوى ذلك .

حيث أعلن إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية الأردنية موقفاً حازماً ضد التدخل ، وكذلك اللجنة العليا للمتقاعدين العسكريين الأردنيين ، وبعض قوى المجتمع المدني كجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية والمنتدى الإشتراكي والجمعية الفلسفية ، وغيرها .

وقد تراجع احتمال التدخل بعد زيارة قام بها موفد روسي للأردن ؛ حيث أبلغ المسؤولين الأردنيين أن التدخل العسكري ضد سورية خط أحمر ، كما أعلنت إيران وحزب الله موقفين مماثلين ، وتراجع احتمال التدخل برمته،بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

لكن مراقبين يرون أن التورط الأمريكي ما زال وارداً ، وأن ما حدث مجرد تأجيل، إلى حين انعقاد القمة العربية الأمريكية في السعودية ، لكن هناك ما يشبه الإجماع أن التدخل إن وقع فلم يكون في صالح الأردن ، وسيشكل لأول مرة نزوحاً داخل شرقي الأردن للداخل والخارج لأول مرة منذ قيام الإمارة منذ نحو قرن من الزمان ، حيث كان محل استقطاب للهجرات من الحجاز وسورية والعراق ثم الهجرة الكبرى من فلسطين ثم تكررت هجرات من لبنان والعراق وسورية.  

جماعات الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية والخلايا الإرهابية النائمة في الأردن من قاعدة ونصرة ودواعش هم الأكثر حماساً للتدخل ، حيث قد يفتح ذلك فرصة لهم للتمدد والهروب من نيران الفشل الذي انتباهم في العام الأخير ، ذلك رغم أن بين الذرائع الأمريكية محاربة الإرهاب ، فيما سيتيح ذلك على أرض الواقع تمدده ، كما حدث عندما بدأ طيران التحالف الأمريكي بالتدخل في المنطقة قبل نحو 4 سنوات ، حيث تمددت داعش وفي ظل التدخل أقامت خلافتها المزعومة في المنطقة الممتدة غرب العراق وشرق سورية ، مسيطرة بذلك على رقعة واسعة من الجغرافيا ومصادر الطاقة ما ساعدهاعلى تمويل ذاتها ( فضلاً عن مساعدات مشغليه لها ).

الموضوع الرابع الذي يشغل بال الشارع الأردني تزامن إعلان حماس لوثيقة موقفها السياسي المعدل من قضية الصراع مع إسرائيل ( بالتزامن مع الذكرى ألـ 69 لنكبة فلسطين ) منافسة بذلك حركة فتح في موقفها السياسي الذي بدأته بالبرنامج المرحلي في النصف الأول من سبعينات القرن المنصرم والإرتداد عن تعبيراتها القومية ( يا وحدنا ) بمبرر إبراز الشخصية الفلسطينية وبالتالي إبراء ذمة الأنظمة العربية (نقبل بما يقبل به الفلسطنيون )

والآن تقبل حماس (بالأسوأ) بما تقبل به أنظمة عربية متصالحة مع إسرائيل .. وبالتدريج تنحو ليس للتنحي عربياً وإنما فلسطينيا نحو القبول بـ ( سوبر ماركت ) غزة إمارة إسلاموية مستقلة ، بديلة للدولة الفلسطينية ، وحتى هذه الدويلة البديلة قد تصبح مستحيلة التحقق ما لم (تلحق ذاتها ولا تكون مجرد خدعة مبتذلة جديدة ) ما يذكر بـ (جزرة ) الدولة التي كانت تطرح على قيادات فلسطينية ( متنفذة أولى ) لإغراق القضية في رمال المشاريع الوهمية ، وكان ذاك يظن أنه فعلاً امتلك الدولة بمجرد أن يعلن قبوله بها،فيضرب على جيب بنطاله الخلفي بصلف (الدولة بجبتي) فارتحل حبيسها ولمّا تتحقق،ولا نخال مشعل وهنية ومكتب الإرشاد العالمي أكثر عبقرية ِمنْ كل مَنْ جُندوا وظنوا أنهم على قدرة للعب بمن جندوهم وتحقيق ما يريدون ، وكان كل الذي كان مما كُشف النقاب عن بعضه، ولم يُكشف عن معظمه بعد.

وبهذا التزامن ( الحمساوي ) يبدو الشارع السياسي الوطني الأردني أكثر اعتناء بما يحدث فلسطينياً ، فـ ( الإنقسام ) ما زال ، والتنسيق الأمني مستمر ، وتجدد المفاوضات بنصف ساق بات مرجحاً ،رغم أن إستئنافها سيكون في ظروف أسوأ من النقطة التي توقف عندها ، والحال العربية كما نعلم على ما هي عليه من الهزال ، وبوصلة الصراع توجه ضد الأصدقاء فيم تقام أحسن العلاقات مع العدو المحتل والغاصب والمعتدي وممول الإرهاب وداعمه.      

والأردن بحكم عوامل واعتبارات عديدة معروفة ومفهومة معني بكل ما جرى ويجري غرب النهر.. ليس فقط بمشروع ناقل البحرين الأحمرـ الميت وليس فقط بصفقة الغاز الإسرائيلي المسروق من الشواطيء الفلسطينية،حيث تعتبر هذه وغيرها أشد سوءاً على الأمن القومي الأردني لجهة عدم استقراره وعبوره إلى الربيع الأمريكي في حال لم تستقر الأوضاع الفلسطينية.. فالأوضاع المعيشية صعبة على مجمل الأردنيين إلا شريحة صغيرة جداً، من المستغلين والفلسدين المرتبطين بأجندات خارجية،الذين يعنيهم أن لا يبلغ الأردن استقلاله الاقتصادي، فاستقلاله ذاك يهدد مصالحهم المرتبطة بالإجمال بمن يتبادلون معهم الدعم .

ومن هنا تتداخل السياسة مع الاقتصاد مع الاجتماع ، فأي إخلال في البنية الاجتماعية نتاج أوضاع فلسطينية متردية، أو ترد أكثر في الأوضاع الإقتصادية نتاج الفساد وارتباطات الخارج أو المزيد من تبعية الموقف السياسي وانعكاساته العسكرية ، لن يترك أثاراً عابرة.

إن الشعب الأردني ليس أقل حرصاً من النظام السياسي على تحقيق وتيرة استقرار سياسي كافية، فقد تعلم الدرس جيداً مما حصل ويحصل في بلدان عربية مجاورة وغير مجاورة بذرائع الحرية وغيرها ، وما أحدثت من خراب وتدخلات خارجية ، لذا فهو يحرص على عدم إيصال مطالبه وحركاته الاحتجاجية حد اللاعودة،أو الاستثمار السلبي من الجماعات الفاسدة داخل مؤسسات الدولة ولا من قبل الجماعات الإسلامية المتربصة بالنظام وبالمجتمع والقوى القومية واليسارية ومؤسسات المجتمع المدني غير الممولة أجنبياً.

لكن تورط النظام في عمل عسكري ضد سورية ، أكثر من خط أحمر لدى قطاعات واسعة من الشعب الأردني ، لأنه بمثابة المعول الذي سيهدم كل شيء في كيان الدولة الأردنية .

قد يعجبك ايضا