حكاية مارتن لوثر كنغ في واشنطن

 

 

ناجي الزعبي ( الأردن ) السبت 13/5/2017 م …

حكاية مارتن لوثر كنغ في واشنطن

افقت من غفوتي التي اعتقد انها لم تتجاوز النصف ساعة بعد رحلة شاقة من مدينة لوتون أولاهما لواشنطن

ولاحظت ان ” رفيقي في الغرفة وهو “ضابط من احدى الدول العربية   – المترفه – لم يكن موجودا.

لم يدهشني ذلك فهو من الطراز الذي يبحث عن الاثارة , والمتعة , وهي فرصة من -وجهة نظره – لا يجب تفويتها فلن يدع وجودنا في واشنطن التي يعرف أزقتها وحواريها وحياتها الليلية يمضي دون استثماره بالطول والعرض .

كنا في زيارة رسمية لوشنطن نظمها مكتب ” الضباط الحلفاء ” – وهو المكتب الذي يعنى بشؤون ضباط الدول المشاركة بدورات في الولايات المتحدة الامريكية – في سياق برنامج الدورة ؛ طويلة الامد , التي كنا نشارك بها من مختلف دول العالم المرتبطة بالولايات المتحدة الاميركية.

كانت اقامتنا في ( فندق وشنطن ) البالغ الفخامة , والذي يقع في منطقة متوسطة للعاصمة الاميركية , حيث كان من الممكن مشاهدة , المسلة , والنصب التذكاري ” للنكولن ” من المقهى ” الكوفي شوب ” الذي يقع في احد الطوابق العلوية للفندق .

غادرت غرفتي لابحث عن رفاق الدورة , واستقليت المصعد الفاخر , الذي وجدت به ” روي ” الرائد البرتغالي , والذي ارتبطت معه بصداقة امتدت لهذه اللحظة , و” زمان ” الرائد البنغالي ذو الاطوار الخاصة اذ كان بعض الزملاء يطلقون عليه لقب زمان الحيوان والكابتن الليبيري غريي الذي اصبح وزيرا دفاع ليبيريا اثر انقلاب قام به زميله الرقيب صمويل دو

كان ( لغريي ) نمط سلوك طريف فقد كان مدمن كحول وكان يحلو له ان يحاضرنا بالدِّين بعد ان يثمل ثم يصلي ويقوم بالرقص والغناء مضفياً جواً من المرح ، اضافة للكابتن كوك التيلاندية التي كنّا نطلق عليها لقب الموناليزا بابتسامتها المحيرة الدائمة.  

بادرتهم بالتحية , ردوا التحية باشين .

سألتهم : الى اين ؟

اجاب روي : نستطلع الفندق , لنلق نظرة على المقهى , ومن ثم نذهب الى ” الهوسبيتالتي رووم ” – غرفة الضيافة – وهي غرفة يعدها مكتب ” الضباط الحلفاء ” لتقديم الضيافة للضباط , في كل مكان كنا نذهب اليه تحتوى مرطبات , ورقائق البطاطا ” الشيبس ” , والمكسرات الفاخرة ,والمشروبات الكحولية لمن يرغب , الخ …

سالوني : ما رأيك ؟

اجبت : لم لا , قد نجد بقية الرفاق هناك .

توقفنا عند الطابق الحادي عشر , وانفرج باب المصعد عن شرفة للمقهى   التي تطل على واشنطن , كانت ممتلئة بالزبائن , شاهدنا عدد من رفاق الدورة على احدى الطاولات فانظممنا اليهم , لكني لم ار النقيب نواف رفيقي في الغرفة .

سالت عنه فاجابني احد الرفاق مازحاً :

بانه ذهب الى واشنطن لعله يحصل على رفيقة , او سهرة ممتعة في احد النوادي , او حتى – شمة – واستطرد مازحاً ما انت عارف نواف.

تبسمت , وانشغلت مع الرفاق في مناقشة مشروع سهرة الليلة ، فقد كان جمال المكان وطلته الساحرة يبشر بسهرة ممتعة .

فجأة اطلت علينا فتاة فائقة الجمال , بصحبة عدد من الشباب والفتيات يبدو عليها الهلع الشديد , يلاحقها احد موظفي المقهى , لكنها جلست على طاولتنا وكأنها استجارت بنا واخبرت النادل انها بانتظار” نواف ” , ونظرت الينا متوسلة أن نطلب من النادل ان يدعها , ففعلنا .

غادر النادل على مضض   ,ثم بعد قليل غادر بقية من معها وكأنهم اطمئنوا انها بايدي امينة .

بادرتها بالسؤالل : اين نواف ؟

اجابت : سيأتي بعد قليل , لقد قابلته في الشارع .

كانت تتحدث وهي بحالة هلع شديد …صمتت قليلاً وألقت نظرة على المكان والحضور فأشاع جو المكان الجميل الهادئ شئ من الطمأنينة.

التقطت انفاسها واستعادت شيئاً من رباطة جأشها وتابعت حديثها :

لقد طلب مني نواف انتظاره في المقهى ووصف لي هذه الطاولة .

اخبرتنا انها تريد ان تهاتف والدتها , لكن ادارة الفندق رفضت أن تسمح لها لأنها لأنها لن تتمكن من دفع اجرة المكالمة نقداً فهي لاتملك نقوداً , ولا يمكنها دفع اجرة المكالمة بواسطة – الفيزا كارد لأنها – ” تين ايجر” ( دون الثامنة عشرة ) ولا يمكنها اجراء مكالمة (كولكت كول ) اي على حساب المتلقي , كونها ليست نزيلة الفندق .

مجموعة من الاسئلة تدفقت الى خاطري , كيف اهتدت هذه الفراشة الملونة للفندق , ولم هذا الرعب الذي يبدو عليها ،   ولماذا اختارت المقهى ؟ ولماذا اختارت طاولتنا ؟ ثم لماذا غادر زملائها وبقيت هي ؟ امر مدهش .

وابتدأت بسرد حكايتها :

كنت ضمن جماهير تتظاهر بذكرى وفاة المصلح الاميركي – مارتن لوثر كنغ – في الشارع الموازي للفندق وهي تظاهرات تُنظم سنوياً وفقاً للدستور وقواعد – الديمقراطية الأميركية – ويقوم على المشاركة بها متظاهرون من شتى انحاء الولايات المتحدة , وقد قدمت انا من ولاية بنسلفانيا ضمن مجموعات استخدمت وسائط نقل جماعية ,كنا نتظاهر سلمياً ,   حين هرعت قوات الشرطة واخذت تقمع التظاهرة بشكل دموي ,همجي , وعملت على تفريقها , والقاء القبض على عناصرها , مما اضطرني ورفاقي للفرار في الأزقة , والشوارع , وقد طاردتني قوات الشرطة , وتعرضت للضرب , والاهانة , لكني تمكنت من الفرار اخيراً , وتشتت شملنا .

أنا في حيرة من امري , فقد غادرت وسائط النقل التي اقلتني وزملائي , ولا املك مالاً , ولا ادري ماذا افعل , وقد التقيت زميلكم ” نواف ” في أحد الازقة أثناء هروبي وشرحت له المسألة , فطلب مني ان اقضي ليلتي معه مقابل ان يمنحني مبلغاً اتمكن بواسطتة أن اهاتف والدتي , والعودة لولايتي , وقد أعطاني رقم الطاولة التي تجلسون الآن عليها وطلب من ان انتظرقدومه

هذه اميركا التي تضعنا امام خيارين اما الحرية او الدم   .

كانت أحداث مريعة , اذ كيف تقمع المظاهرات السلمية التي تحتفي بذكرى وفاة القس داعية الحرية , والديمقراطية , وحقوق الانسان وازالة التمييز العرقي والعنصري في بلد يدعي انه – معقل الحرية , والديمقراطية -, انة أمرٌ مشين !

ثم كيف يفعل رفيقنا (الضابط العربي ) الذي – يفترض – به ان يذود عن القيم , والا يستغل فتاة ” قاصر ” ويطلب منها قضاء ليلتها معه مقابل المال الذي تحتاجه لاجراء مكالمة هاتفية واجرة تذكرة قطار العودة لولايتها !

اي عار هذا ؟!

انهلت عليها بتلك الاسئلة ,

اجابت : نحن من ندعي اننا بلد الديمقراطية قتلنا داعية الحقوق مارتن لوثر , وقصفنا هيروشيما ,وناجازاكي بالقنابل النووية , وقتلنا الشعب الفيتنامي , والكمبودي , والكوري , واللاوسي , ولا زلنا نمارس التمييز العنصري وديمقراطية الطبقة التي تملك كل شيئ , وقد رأيت الدبابات تقمع المتظاهرين في واشنطن , اي مهزلة هذه ؟

اما عن قبولي عرض رفيقكم فلم يكن امامي خيار آخر , اما ان اقضي ليلتي بالسجن , أو بالشارع , أو بغرفة دافئة فاخرة ” بواشنطن هوتيل ” واتمكن من العودة لاسرتي .

سألتها : لو تمكنت من الاتصال بوالدتك هل ستحل المشكلة , ام ان لديك رغبة في قضاء الليلة مع نواف ؟

اجابت : بالتأكيد ستحل , ولا ارغب في صحبة نواف الا اذا اضطررت .

دعوت النادل وطلبت منه ان يمكن الفتاة من الاتصال بوالدتها , وان يسجل المكالمة على غرفتي .

غادرت الفتاة بصحبة النادل لاجراء المكالمة , وعادت بعد دقائق باشة , فقد اجرت المكالمة – على حساب والدتها – وحصلت على اذن منها باستخدام ” الفيزا كارد ” وبذا ستتمكن من شراء بطاقة ال ” أيم تراك ” القطار الذي يطوف الولايات المتحدة وتعود لولايتها .

تقدمت الى مبتسمه وقالت : شكراً ساغادر الان وسأتذكر ما حصل في هذا اليوم طويلاً , وداعاً , تحياتي لنواف .

لم يمضي وقت طويل حتى اطل نواف , القى التحية ثم جلس , بادرنا بالسؤال اين الفتاة التي ارسلتها لكم ؟

تصدى الرائد زمان للإجابة وقال له :

لقد أعطاها الاردني محاضرة سياسية وأطلق سراح عصفورتك اقترح ان تطلق عليه النار تحسباً لمواقف مماثلة

اقترح ( غريي) شويي حياً

لتلقين من تسول نفسه ارتكاب مثل هذه الحماقات درساً لا ينساه .

تصديت انا للإجابة فاخبرت نواف بما جرى فتسائل مستنكراً :

ومن خولك ان تفعل ذلك !! لقد بذلت جهوداً مضنية لاقناع الفتاة ان تمضي ليلتها معي اذا هو انت الذي مكن هذه الفراشة من المضي ؟!

لقد تشائمت منذ ان عرفت (انك الروميت )زميلي بغرفة الفندق

قلت : نعم اذن استمر بالتشاؤم

اجاب : لعنة الله عليك لم فعلتها ؟ لقد منيت النفس بقضاء ليلة حمراء بصحبة هذه الفاتنة .

اجبت بحنق : لم اعهدك انتهازياً الى هذا الحد , الفتاة التي منيت النفس بها كانت تناضل من   اجل قضية نبيلة , وتعرضت لموقف بالغ الحرج , وكانت فرصتك لتسجل موقفاً مشرفاً .

اجاب وهويكاد ينفطر غيظاً : اذا كان مارتن لوثر الذي دعى للمساواة والعدل للمجتمع الاميركي قد قتل على ايدي المجتمع الاميركي نفسه , تطلب مني ان اكون اكثر عدلا منه ؟! امرك غريب يا اخي ,وانصرف غاضباً وهو يردد منك لله ياشيخ منك لله ياشيخ .

عدت الى غرفتي بعد ان امضيت سهرة ممتعة مع الرفاق بمقهى الفندق

واندهشت حين وجدت – الرائد روي البرتغالي – في غرفتي مستلق على سرير نواف بلباس النوم .

سألته ماالذي تفعله , واين نواف ؟

اجاب مبتسماً : لقد ابتلاني بك , فقد استبدل رفقتك التي افقدته طريدته الفاتنة برفيق آخر !

لعله يتخلص من تشاؤمه ومن نحسه الذي تتسبب له به دائماً فهو لن يطيق ان ينظر لوجهك بقية الليل ويتحسر

ذهب ليبحث عن طريدة لا تمارس السياسة , بعيدا عنك .

قد يعجبك ايضا