ماذا لو صحت تقارير عزم الأردن التدخل في جنوب سورية ؟

 

الخميس 20/4/2017 م …

ماذا لو صحت تقارير عزم الأردن التدخل في جنوب سورية ؟ …

محمد شريف الجيوسي …

تقول تقارير ومصادر ووسائل إعلام من خلفيات متباينة أن الأردن على وشك الإنخراط في ملفات المنطقة الساخنة كـ سورية وإيران ، وربما غيرها ، وذلك بعد أن إنعقدت القمة العربية ألـ 28 في منطقة البحر الميت وبعد أن استقبل الملك السعودي سلمان عشية انعقادها ؛ استقبالاً خاصاً ، وبعد لقاء القمة الأردني المصري واقتراع مصر بالموافقة على مشروع القرار الغربي ، ولقاء الملك الأردني بالرئيس الأمريكي .  

وبغض النظر عن مدى دقة أو عدم دقة هذه التقارير والمصادر والوسائل الإعلامية ، يبقى السؤال قائماً ، هل سيكون إنخراط الأردن في الملف السوري على شكل تورطٍ عسكري ، في صالح (إستقراره) أمنياً وسياسيا واقتصاديا.

إن تورط الأردن في جنوب سورية يعني أنه بات في مواجهة مباشرة مع كل الأطراف الحليفة لدمشق، وهي على الأقل روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية والدولة الوطنية السورية ، وكل من يتعاطف معها ، ابتداء بكوريا الديمقراطية وليس إنتهاء بفنزويلا ، ولن تكون دول كـ العراق ولبنان ( أو بعض أطرافه ) والجزائر وحتى عُمان مرتاحة لهذا التورط على أقل تقدير .

إن دخول الأردن في معمعان تدخل عسكري مفترض ، سيُخسر الأردن مكانة محترمة وتنسيقاً في مجالات معينة مع روسيا ومع إيران لا يعلن عنها كثيراً ، ولن تعوضها حسابات ضيقة لدى آخرين ، على الأقل بحكم المصاعب الإقتصادية الناشئة لديهم ، جراء تقديرات خاطئة اعتقدوا أنها تضر باقتصاديات روسيا وإيران وفنزويلا ، فإذا هي تصيبهم بمقتل، زادتها إنفاقات الحرب في سورية واليمن وليبيا والبحرين ، سوءاً ، بينما خرجت إيران من حصار المفاعل النووي، واستردت روسيا شبه جزيرة القرم ولم تستقر أوضاع أوكرانيا بجلبابها الغربي، ولم تنجح محاولات الانقلاب على فنزويلا البوليفارية .

وإذا كان (المانحون) يعانون من أزمات أقلها اقتصادية، فهل سيكون حال (الممنوحين ) بأفضل حال من المانحين ، إن وفى الأخيرون للأولين بشيء جراء ( ظروفهم )، فيما لدى (الممنوحين) فرصا وإمكانات كثيرة للإستغناء عن فتات المنح والمساعدات والقروض ما يجعلهم في أحوال أفضل بكثير مما هو عليه الواقع الآن ، إن قرروا استخدامها ، فضلاً عن تحررهم مما تفرضها التبعية الإقتصادية من شروط وابتزازات ورشاوى وفساد طالما انتقلت أصوله من الغرب.

إن الإنغماس في المستنقع السوري على النحو الذي يريده أعداء الدولة الوطنية السورية ، فضلاً عما سيسببه من تعكير للأجواء مع دولة شقيقة مجاورة تربطنا بها علاقات التاريخ والجغرافية والديمغرافيا والدين واللغة والمصالح والمشاعر القومية .. هو تعكير يصعب إصلاحه وستمتد تداعياته السلبية طويلاً وعلى غير صعيد .. وهو غاية بذاته تدفع إليه الجهات الدافعة للتورط ، فيما لن تتضرر الأطراف المحرضة عليه ، بقدر تورط الأردن.

لقد سمح تلبية الأردن (المحدود) لبعض الضغوط والمتطلبات؛ للعصابات الإرهابية تنفيذ بعض العمليات الإجرامية في الأردن، كما أتاح لها أحياناً الظهور العلني ، كإقامة بيوت العزاء والعمل عبر الشبكة العنكبوتية لنشر الفكر التكفيري والإرهابي وتجنيد المرتزقة، وأحيانا استخدام المنابر رسول الله بذريعة الإنتصار للشعب السوري فيما هم يدعون للإرهاب ، كما أتاح ذلك ازدياد نسب تهريب المخدرات والأموال والسلاح والبشر، رغم إحباط الأمن الأردني العديد جداً من تلك المحاولات ، ورغم ذلك تؤكد تقارير وجود خلايا ارهابية نائمة بانتظار الإشارة بالعمل ، رغم إصدار أحكام بالسجن بمدد متفاوتة على المئات منهم .

إن إبعاد آلاف الإرهابيين عن الواجهة الشمالية الشرقية للأردن ( في إطار ترتيبات إقليمية ) لن يجعل الأردن في مأمن كامل من هؤلاء؛ ولا من قبل نحو 4 آلاف إرهابي أردني ( بحسب تقارير غربية ) في حال اضطر هؤلاء للعودة أو طلب منهم التوجه إلى الأردن ، فرمال الأرهاب متحركة ، والدول المنغمسة فيه لا تملك ترف الإستقرار الإقتصادي ولا السياسي والأمني وبالتالي لا يراهن على استدامة مواقفها .

لقد أعلنت الجهات الضامنة للأمن السوري وقوفها المطلق إلى جانب سورية ، وهي كما تدل على ذلك الوقائع والمجريات والمصالح ، تتمتع بصدقية عالية ولا يراهن على نكوصها ، فضلاً عن أن المساس بأمن سورية يعني المساس بأمنها ومصالحها مباشرة ، على نقيض الأطراف الضاغطة على الأردن للتورط بشكل معلن وواسع وكامل ودون أدنى تردد ـ لا تمتلك الصدقية ولا المبررات الكافية للتدخل ، ولا هي في حالة ضرورة مطلقة للإستمرار ، وليس لديها الرؤية الواضحة وتعيش حالة من التوهان والمناكفة والرغبة في تدمير الآخر ، وقد تتخلى عن الأردن عند أول منعطف ،فلا ضمانات ، فيما يتمتع حلفاء الدولة الوطنية السورية بالصدقية والإمكانية ما يجعلهم في حالة التزام مع الحليف ، بما في ذلك الأردن لو قرر الاستدارة في الوقت المناسب .

ورغم ضراوة الحرب التي تشن على الدولة الوطنية السورية منذ 6 سنوات ونيف ، اصبحت ، تمتلك من الإرادة والخبرات القتالية والعسكر والحلفاء ما يفوق ما كانت عليه عند بدء الحرب ، فيما أصبحت الدول والأطراف التي مولت وقادت الحرب على سورية على العكس في حال سيئة على نقيض ما كانت عليه عند بدء الحرب ، ما يعني أن إنزياحا جديداً ضد سورية لن يكون بأحسن حال عن السابق ، أمنياً وعسكريا واقتصاديا ، بل أشد سوءاً ، وهو ما نشهد بداياته في غير ساحة صراع .

لا بد أن أمن الأردن واستقراره وتقدمه ومكانته تتحدد في إنحيازه إلى أمته غير المرتبط منها بالأحلاف الغربية ، وفي المراهنة على ذلك الإنحياز ، وفي محاربة الفساد وبؤره وارتباطاته بالخارج ، ووضع حد للهدر المالي والإنفاق غير المنتج ، والتوجه بقوة للإستثمار في الإنسان وفي الزراعة والصناعة الوطنية وفي عدم ربطهما بالمناطق المؤهلة والإستثمارات الغربية التي تستغل الأيدي العاملة أبشع استغلال وتخرج مداخيلها للخارج ، وفي استثمار موارد الدولة بأيدي أبنائها، وفي التوقف عن الإقتراض من مؤسسات رأس المال العالمي ووصفاتها التخريبية ، ومن كل طرف يملي شروطاً سياسية لقاء الإقتراض .. وفي تحقيق العدل الاجتماعي والسياسي بحيث تستمدّ الدولة قوتها ومنعتها من شعبها واقتصادها المستقل لا من العدو والخارج ولا ممن يمنّون عليها الولاء في الداخل فيما هم في الأغلب مصادر البلاء والفساد والهدر والمؤسات التي لا ضرورة لها ، وهم من يكرسون التبعية والمشاريع المرتبطة بالخارج والأزمات الإقتصادية والمديونية والتفاوتات الطبقية غير السليمة والاحتقانات .

ليس مستحيلاً تحول الأردن إلى إنحيازات جديدة داخلية وخارجية ، إن توفرت الإرادة وإرتبطت مصلحة النظام السياسي بمصالح كل الناس لا بمصالح شرائح معينة طالما كبّدت الدولة أعباء ولائها المكلف، وقتها يكون الأردن في حل من التورط في أي خيار لا يخدم مصالحه الإستراتيجية الحقيقية ومصالح الأمة.  

إن حدث وزُجّ الأردن ضد الدولة الوطنية السورية،سيجد نفسه في حالة صراع متعدد الأطراف والجبهات في الداخل والخارج، حيث ستجد العصابات الإرهابية وبعض ( منتسبيها) من الأردن ، فرصتها للتمدد في الأردن باعتبارها أضحت ساحة صراع واحدة.. وستجد جماعات سورية نفسها في الجنوب على الأقل متضررة مما يجري فتندمج أكثر في الدولة السورية ضد (الغير) وستجد (إسرائيل) فرصة سواء ضمن اتفاق إقليمي أو بدونه للتدخل ليس في سورية فحسب وإنما في الأردن أيضاً وستشتد في عنجهيتها ضد الشعب الفلسطيني ، وتصبح التسوية السياسية أبعد تحققاً .. وهذا يضر بمصالح الأردن .

ومن المؤكد أن التدخل لن يقتصر على عبور أردني سلس إلى سورية ، حيث ستتسع ساحة القتال وأطرافه وقد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية أو إقليمية واسعة لن تقتصر ساحتها على جنوب سورية ، وما يستتبع من قتلى وشهداء وجرحى ، ومشردين ، لن يكونوا سوريين فقط ، وما يلحق من ازمات إقتصادية مستجدة واجتماعية .  

[email protected]

قد يعجبك ايضا