لم تراهن واشنطن وتل ابيب على دفن القضية الفلسطينية ومشروع الدولتين ؟

 

الجمعة 3/3/2017 م …

محمد شريف الجيوسي …

لم تراهن واشنطن وتل ابيب على دفن القضية الفلسطينية ومشروع الدولتين ؟

تبدو مؤشرات إيجابية على الأرض ( وإن تكن بدرجات متفاوتة ) لصالح محور المقاومة وحلفائه في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا.. لكن القضية الفلسطينية تبدو على خلاف هذه المؤشرات ؛ ماضية في اتجاه مختلف ، وهي في ذلك تتساوق مع الجزائر حيث يدبر لها أعداء الأمة ليلاً عصيباً إن استطاعوا.

يحدث هذا رغم أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة لم تتوقف، حيث تُنفذُ على أرض فلسطين التاريخية عملية بين حين وآخر ، يتكبد فيها إسرائيليون خسائر كبيرة أو صغيرة ، ورغم أن المقاومة اللبناينية أصبحت على قدرٍ أعلى من الجاهزية القتالية والتسلح منها عن عام 2006 ما يعكس نفسه إيجابيا لصالح القضية الفلسطينية ، وحيث لم يعد الفلسطينيون في الضفة الفلسطينية والقدس محيّدون كما في سنوات مضت ، والفصائل الفلسطينية في غزة بمجملها أصبحت تمتلك قدرات أكبر مما مضى ولم يعد الأمر ليتوقف على فصيل بعينه.. كما أن مؤتمر طهران الدولي السادس لنصرة الشعب الفلسطيني ( المنعقد في شباط 2017 ) والذي حضره ممثلو الفصائل الفلسطينية بدرجات متفاوتة واجتمعوا على هامشه ـ شكل دعماً مهماً للقضية لا يمكن تجاهله .  

رغم ذلك كله ، إلا أن ( مشروع ) استعادة الوحدة الفلسطينية أصبح أبعد منالاً ، بل أصبحت إستعادة حركة فتح وحدتها وقوتها وألقها أمراً صعباً ، لإعتبارات عديدة يتعلق الكثير منها بآخرين وبقوى إقليمية بعضها ( شقيق ) وبعضها عدو وبعضها من نوع الأصدقاء الألداء والأعداء الحميمين..ومن تلك الاعتبارات مؤتمر استانبول الذي وضع عقبة جديدة معدة بإحكام في وجه أية محاولة جدية لإستعادة الوحدة الفلسطينية، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية من الداخل ، باعتبارها الإطار الشامل للقضيية والشعب الفلسطيني.

ورغم أن غزة محاصرة ، وتتعرض بين الحين والآخر لضربات جوية موجعة ، ومزدحمة بالسكان العاطلين عن العمل بنسبة كبيرة جداً ، والواقعة تحت سيطرة أحادية الجانب (حماس) إلا أنها،بل لأنها كذلك، هي مشروع الدولة الفلسطينية القادم المعترف به إسرائيليا وامريكياً أرضاً و(سكانا) في غزة،وسكاناً دون أرض في الضفة الفلسطينية، حيث تلحق أرض الضفة ومستوطنينها ومستوطناتها اليهودية بـ (إسرائيل) وستحوّل الأموال الفلسطينية وأموال المساعدات والقروض والمنح لغزة التي منها سينفق على سكان االضفة وعلى مشاريع خدمية وأمنية.

هذا المشروع يحقق من وجهة أمريكية ـ إسرائيلية ، مشروع الدولتين ـ ويحول دون قيام الدولة الفلسطينية على حدود فلسطين 1967، ويُبقي على المستعمرات الإستيطانية الاحلالية اليهودية في الضفة ويتيح إقامة المزيد،ويفقد الشعب الفلسطيني ما يزيد عن 95% من فلسطين، ويحوّلهم من مواطنين الى مجرد سكان يتبعون لدويلة محدودة المساحة كثيفة السكان محصورة بريا بين (إسرائيل) وبين بحر مسيطر على شواطئه إسرائيليا وبين شبة جزيرة سيناء المشتعلة بالإرهاب.

ويحقق هذا المشروع للتنظيم الإخوني العالمي بديلاً عن دول وعدتهم بها واشنطن في تونس وليبيا واليمن والأردن وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 .. كجائزة ترضية عما وعدوا به.

وسيشطب قيام هذه الدويلة الفلسطينية في غزة (دون الضفة والقدس الشرقية ) والتي قد يضاف إليها شريطاً في سيناء وآخر محادٍ لها ربما في النقب ـ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين المحتلة سنة 1948 ، وستُحصر عودة لاجئي الشتات بغزة المكتظة بالمواطنين الفلسطينيين، وبقيام هذه الدويلة ، ستقول الدول المانحة أنه لم تعد من ضرورة لإستمرار وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وستحوّل بعض المساعدات المقدمة لها لغزة لتكريسها (دولة) بديلة ، وسيخلق هذا الوضع نوعا من الاختلافات الفلسطينية البينية على خلفية جغرافية ، وسيكون لغزة دوراً وظيفيا بين ( إسرائيل ) ومصر أو بينها وبين كيان إرهابي يصنّع في سيناء .

هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي(سيشرعن)احتلال إسرائيل للضفة الفلسطينية ، وسيتبعه تنزيح أعداد كبيرة من عرب 1948 إليها ، ليتبّعوا إدارياً بغزة، ويعفي هذا المشروع الأردن من المسؤوليات المربكة الناجمة عن الحاق الضفه به أو تنزيح فلسطينيين اليه،باعتبار أنهم سيتبّعون بسلطة غزة، وهو امر يرضي حكومة حماس الغزية،على حساب السلطة الفلسطينية في رام الله،الوشيكة الترحيل، فاستمرارها يعيق مشروع دويلة غزة من جهة ، كما يعيق إرضاء الإسلام الأمريكي ولا يحقق إستمرارها مجيء خليفة لعباس تقبل به ( إسرائيل ) ودول إقليمية معروفة فضلا عن واشنطن والغرب .  

ومثل هذا المشروع (يجد فرصته الكبرى في ظل اشغالات عربية وإسلامية) ما يوفّر على الإدارة الأمريكية حرجاً كبيراً، فلا هي تتراجع عن قرار دولي بقيام دولتين، ولا هي تخذل (إسرائيل) أو تتراجع عن وعود سخية قدمت لها في فترة الدعاية الإنتخابية لترامب، ولا تُحرج الأردن ولا تتخلى عن إسلامها الأمريكي الذي أشعل فتنة سنة وشيعة ، مسلمين ومسيحيين ، وبين مسلمين إرهابيين وآخرين مناهضين لهم، وبين عرب وفرس ، فضلاً عن حروب خيضت بالوكالة، دفع ويدفع عرب ومسلمو أمريكا أكلافها بسخاء من ثرواتهم ودمائهم ومن دماء ومقدرات من استهدفوهم ، من أشقاء الجلدة أو الوطن أو الدين ، فضلا عما خلقوا من شروخ وجروح دامية .

[email protected]

قد يعجبك ايضا