لماذا لن تبيع روسيا ؛ سورية وأياً من حلفائها …

 

الأحد 19/2/2017 م …

لماذا لن تبيع روسيا ؛ سورية وأياً من حلفائها …

يقلم : محمد شريف الجيوسي …

يظن البعض وبعض البعض من مثقفين أشاوس ومحللين ( كبار ) وقوميين يفكرون بطريقة التكفيريين الإسلامويين (..) أن روسيا الاتحادية بقيادة بوتين باعت سورية ؛ الدولة الوطنية بقيادة الرئيس بشار الأسد وحليفتها إيران ، وربما بصدد الابتعاد عن الصين الشعبية .. في مقابل كسب عثامنة آخر الزمان ومجانين الييت الأبيض بتوصيف الأمريكان أنفسهم بمن فيهم أعضاء كبار في الحزب الجمهوري و الـ ( C I A ) ..

لكن الحقيقة أن الرئيس الروسي بوتين لاعب سياسة محنك فوق درجة الشرف ، يعمل أولا للوصول إلى غاياته بالتسلح بالشرعية الدولية وقطع طريق الذرائع ومنح الفرص للآخر ، حتى اذا تعامل الآخر ( مع هذه الفرص ) بإخلاص كانت طوق نجاة لذاك الآخر ، فلا يكون التزامه دون ثمن ( حفظ ماء وجه بأقل قدر من الخسائر )، وإلا فطوق انتحار سياسي .

منحت روسيا بوتين ؛ الولايات الأمريكية بقيادة أوباما ، فرصة للعمل المشترك لحرب حقيقية على الإرهاب ، تخرج واشنطن وحزبها الديمقراطي من المنطقة بأقل قدر من الخسائر ، بعد سنوات وحلفائها وأتباعها و (   ) من الفشل المتصل ، لكنها ظنت أنه يمكن ( اللعب ) على روسيا ، فخرج سيد البيت الأبيض السابق بأكبر قدر من الخسارة ، ما أتاح للسيد الجديد استثمار هذا الفشل لصالح الفوز ، رغم ما اعتور هذا الفوز من ملاحظات ، فأمريكا في حاجة للتغيير والتبديل ولو ظاهريا تكتيكيا أو تمويها .

وفعلت روسيا الاتحادية الشيء ذاته مع العثامنة الجدد بقيادة ألـ أردوغان بعد وقت يسير بعمر العلاقات الاستراتيجية من إسقاط الطائرة الروسية بمنتهى الصلف التركي ، وهي على علم يقيني ( أي روسيا ) وليس مجرد تخمينات بمدى العلاقات الحميمة بين العثامنة والعصابات الإرهابية على اختلاف مسمياتها ودور ألـ الأردوغان الشخصي في العدوان على سورية ، لكنها على علم أيضاً بمدى ما أخذت تعانيه العثمنة من الإرهاب الذي دعمته ومن المشكلات الأمنية والسياسية والإقتصادية المتزايدة في تركيا ، وحاجة النظام التركي للإستقرار الداخلي ، في وقت بدأ التوتر يحكم العلاقات التركية مع أوروبا ، وتلاشي آمال الدخول في الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من تصدعات متفاقمة تنذر بتفتته ، وعلاقاتها مع واشنطن ليست أحسن حالا ،سواء على صعيد رفض الأخيرة تسليمها غريمها غولن أو على صعيد اتهام البيت الأبيض بتدبير انقلاب ، أو على صعيد اصرار الأخيرة إقامة كانتون كردي في شمالي سورية ، الأمر الذي يغري أكرادها بما هو أكثر في جنوب شرقي تركيا . فضلا عن رفض أوباما إقامة منطقة آمنة في شمالي سورية.

روسيا فهمت المعادلة والمأزق التركي ، فعرضت على تركيا العمل معا على مناهضة الإرهاب الذي بات يشكل خطراً أيضاً على أنقرة ، وأتاحت لها محاربة المشروع الكردي على الأرض السورية ، ما يطمئنها ، وفي آن ( يورطها في المستنقع السوري ) والّفت بينها وبين إيران ، وتشكل المحور الثلاثي الروسي التركي الإيراني ، وكان القرار الدولي بالترحيب بالمشروع الروسي التركي لعقد استانة ، دون أن تشارك في تقديمه إيران ، إمعانا في طمأنة أنقرة ، ولكي لا تكون المعادلة على الأرض السورية كما يحاول البعض تصويرها ذات بعد طائفي شيعي ، فأعطت تركيا ( السنية ) ما يعزز موقفها بين السنة ، وهامشا للحركة في سورية ودوراً في الحلول السياسية المرتقبة ، وللمعارضة المسلحة التابعة لها للمشاركة في الحرب على مشروع الكانتون الكردي المرعب لتركيا بقدر ما هو مرفوض سورياً وإيرانياً وعراقياً ، وفي آن فلتتقاتل العصابات الإرهابية فيما بينها على خلفية نتائج استانة.

من جهته كان للثعلب أردوغان ، غاياته وارتباطاته غير السهلة ، فقطْع صرة النظام التركي بواشنطن وأوروبا والنيتو وإسرائيل ، ليس أمراً سهلاً وله تداعياته، فضلا عن مصالحه المرحلية مع الخليج لجهة العداء المشترك للدولة الوطنية السورية ، فضلاً عن مطامعه في العراق ، وارتباطاته الأيديلوجية بجماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد العالمي ، والذي يستمد منه قوته الداخلية بمواجهة معارضيه الإسلاميين وغير الإسلاميين .

ومن هنا فقد مضى العقامنة الجدد مع روسيا بالقدر الذي يقلق الحلفاء القدامى الإستراتيجيين والمرحليين ويشكل ضغطاً عليهم بتحقيق المنطقة الآمنة في شمالي سورية وتسليم المعارض التركي الخطير غولن ، والتوقف عن اتهامها بقمع الحريات الديمقراطية ولأجل استمرار الحرب الإرهابية على سورية وإن أمكن شن حرب مباشرة عليها وإسقاط الدولة الوطنية فيها لصالح حالة تابعة لها تتيح تمدد العثمنة ، وإعادة الأمل بدخول الاتحاد الأوروبي ، وتحقيق مطامعها في شمالي العراق ، وابتزاز الحلفاء المرحليين في الخليج والعصابات الإرهابية معاً

ومن هنا رأينا أنقرة تحضر إلى استانة 2 متأخرة وكذلك وفد العصابات الإرهابية ، فهي تريد الحصول على مزايا المحورين والضغط على كل منهما وما يتصل بهما ، بالآخر وما يتصل به من دول واطراف .  

روسيا الاتحادية بقيادة بوتين وحلفها ليست مأزومة ، وهم في حالة صعود ومن معهم على كل الصعد ، فيما البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي والنيتو والرجعيتين العربية والعثمانية ، تعيش وإسرائيل في أزمات سياسية واقتصادية وحالات فشل على كل الصعد بما في ذلك مجتمعاتها .

وعليه فروسيا الاتحادية ليست في وارد ان ( يلعب ) عليها ثعلب العثمانية الجديدة أو سواه ، والذي يفترض منه ان يعمد الى معالجة جراحاته ولملمة تناثرات نظامه وإعادة الألق الاقتصادي ( لبلاده ) والخروج من مأزق الأرهاب الذي وضع نفسه فيه وتصويب علاقاته مع جيرانه الذين لعبوا دورا في تحقيق تقدم تركيا الاقتصادي عندما كانت علاقاته جيدة معها .

وتغليب الوطني على الأيديولوجي الإخوني ، والكف عن أوهام المراهنة على استعادة ما يظن أنه أمجاد عثمانية ، فيما هي تخلف وجهل وفقر متعدد الأشكال وتطرف طوراني وعنصرية مذهبية ، وإعادة النظر في علاقاته مع محور واشنطن المتهالك ، والذي كما أثبتت أحداث السنوات ألـ 7 الأخيرة أنه ليس بصدد تركيا أو سواها ، فهو بالكاد يخرج من أزماته المتعددة ، فضلا عما ينطوي عليه من انتهازية والافتقار لإحترام ( الأصدقاء ) والعطف على التابعين (الغلابى ) .  

أما الذين نظّروا بأحادية إلى مشروع الدستور والذي جرت حوله أحاديث كثيرة سلذجة ، كانت غالبا في غير سياقها مزاودة ( تكفيرية ) ، ابرزت أوهامها المكبوتة ضد روسيا فوجدت فيه فرصة للتشكيك، دون أن تلحظ ما يجري على ارض الواقع السياسي والعسكري ، والتخبط العميق الذي يلف الأطراف الأخرى ، وما أحدث المشروع من حرائق واختلافات مطلوبة بين العصابات الإرهابية ومن تتبع له .

بكلمات روسيا الاتحادية بقيادة بوتين لن تبيع سورية ولا أياً من حلفائها ، لغير اعتبار ومنها أنها لا ولن تستطيع ذلك (..) فهي على أهلية كافية ومتاحة للوفاء العميق لأصدقائها و ( غير قادرة على انتهاك مصالحها الإستراتيجية)، فروسيا اليوم ليست روسيا مطلع التسعينات وبوتين ليس غورباتشوف ولا يلتسين ، وروسيا تجمع الآن بين يديها تكنولوجيا العصر والإرادة المستمدة من الواقع والإمكانات المذهلة والقيادة الفذة والتماسك الداخلي واستثمار أزمات أعدائها ، كما تمتلك إيجابيات تاريخها القيصري العتيق وأمجاد الاتحاد السوفيتي في تجلياته العليا .

وهي وحلفها الممتد القادر الوحيد على تغيير مسار التاريخ الراهن والذي بدأ بصمود سورية وإجبار قطار الخريف الأمريكي والفوضى الخلاقة على التوقف ، وما استتبع من ارتدادات ضد المشروع الأمريكي الوهابي الإخوني ، ما أقنع الحلفاء بجدوى الانتصار لسورية ، والعمل جميعا على إحداث التغيير الكوني لصالح الدول والأمم والشعوب والجماعات المتطلعة للأمن والسلم والعدل والاستقرار .

[email protected]

قد يعجبك ايضا