قرار مجلس الأمن بصدد سورية : جوهره ـ تداعياته ـ انعكاساته ومآلات تطبيقه

 

الإثنين 9/1/2017 م …

محمد شريف الجيوسي

ما الذي تضمنه مؤخراً قرار مجلس الأمن الدولي ، بصدد بسورية والذي يحمل الرقم 2336 ، وما هي المعاني البعيدة للقرار ، وتداعياته اللاحقة ، وما سيترتب عليها ..

فقد تبنى المجلس في اليوم الأخير من عام 2016 ، وبالإجماع مشروع قرار أعدته روسيا لدعم اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وإطلاق العملية السياسية لأجل حوار سوري سوري سيجري في العاصمة الكازاخستانية ، استانة كـ بلد محايد ، توافقت على عقد المباحثات فيه إضافة للدولة المضيفة روسيا الإتحادية وتركيا.

ويؤكد القرار 2336 على سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية.

ويؤكد أيضاً ، أن الحل المستدام الوحيد للأزمة الحالية في سورية ، هو من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية، استنادا إلى بيان جنيف في 30 حزيران 2012 ، وقرارات مجلس الأمن 2118 (2013)، و2254 (2015) و2268 (2016) والبيانات ذات الصلة الصادرة عما يسمى ( المجموعة الدولية لدعم سورية ).

وأعرب مجلس الأمن عن تقديره لجهود الوساطة المبذولة من جانب الاتحاد الروسي وتركيا لتيسير إرساء وقف الأعمال القتالية في الجمهورية العربية السورية.

كما اعتبر الإجتماع المقرر عقده في أستانة بين الحكومة السورية وممثلي “المعارضة” باعتباره جزءا مهما من العملية السياسية التي تقودها سورية وخطوة مهمة يتم القيام بها قبل استئناف المحادثات برعاية الأمم المتحدة في جنيف في الثامن من شباط لعام 2017.

وصادق القرار على الوثائق التي أصدرتها روسيا وتركيا يوم 29 كانون أول الجاري، والمتعلقة بدعوة الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية والمعارضة إلى حوار سوري سوري مباشر لاحقاً في عاصمة كازاخستان ؛ أستانه.

ونص القرار على أن مجلس الأمن يلاحظ مع التقدير جهود الوساطة التي تقوم بها روسيا وتركيا لتسهيل تأسيس وقفٍ لإطلاق النار في سورية.

ويشدد على (أهمية التنفيذ الكامل والفوري لوقفه (وقف العمليات القتالية التي دعت إليها روسيا وتركيا بإستثناء داعش والنصرة وما يرتبط بهما من عصابات إرهابية) ويدعو جميع الأطراف للإسترشاد بالوثائق المشار إليها، وتقديم الدعم لتنفيذها ) . وهو وقف إطلاق النار الثالث من نوعه خلال عام 2016 .

ودعا القرار الأطراف المعنية إلى السماح للوكالات الإنسانية بالوصول السريع والآمن ودون عوائق في جميع أنحاء سورية.

من جانبها قالت نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة ميشال سيسون ،

عقب التصويت على القرار ( أنه يجب أن يكون رسالة قوية لوقف هجمات النظام المدعومة من حزب الله اللبناني على وادي بردي قرب دمشق ) في قلب كامل للحقيقة حيث أن العصابات المسلحة في الوادي ونبع عين الفيجة شنت هجمات على المنطقة ما أدى إلى إنقطاع المياه عن نحو 5 ملايين إنسان في العاصمة السورية ، دمشق ، كما أن شيئاً مماثلا حصل على نهر الفرات في شمالي سورية من قبل العصابات الإرهابية ، ما أدى إلى تعطيش 4 ملايين إنسان في حلب .

وقال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة تشوركين ( أن الاجتماعات الكثيرة التي عقدها وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي جون كيري هذا العام (2016 )تمخضت عن اتفاقات جادة لكن لم يلتزم بها ) من قبل واشنطن )

وأوضح تشوركين أن هذا القرار الذي اعتمد في حينه ، يتحدث عن ضرورة التقيد باتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وكذلك اللقاء في الأستانة بين الحكومة السورية و(المعارضة (مبينا أن ذلك جاء في سياق قرارات مجلس الأمن وغيرها من الوثائق المعروفة والتي ذكرت جميعها في القرار ، وأن من الأهمية أن يدعم مجلس الأمن الجهود التي بذلتها روسيا وتركيا مضيفا ( إن لم تستطيعوا مساعدتنا فلا تعقّدوا الأمور ولا تشككوا في الاتفاقات التي توصلنا إليها ولا تفسروها بطريقة أو بأخرى ولا تكرروا العبارات النمطية والجمل الكلاسيكية التي اعتادت البلدان ، الحديث عنها والتي تضر أكثر مما تنفع في مثل هذا الموقف. )

وقال نحن على قناعة أنه إذا كان المجتمع الدولي قادرا على العمل ومسترشدا بمصلحة شعب سورية واستقرار المنطقة ككل نستطيع حينها تحقيق النجاح معربا عن شكره لتركيا لمساهمتها في جهود التوصل لاتفاق وقف الاعمال القتالية.

من جهته قال مسؤول في اللجنة القانونية ( للمعارضة ) أن الذهاب إلى مفاوضات أستانا مؤجل، على حد تعبيره ، وأن الهيئة العليا للمفاوضات لم تتلق دعوة ليتم درسها بناء على أجندة المفاوضات، مؤكدا أن الحديث عن حوار سوري كما هو منصوص عليه محاولة للهروب من فكرة الانتقال السياسي.

لكن مركز أنباء الأمم المتحدة أوجز القرار الأممي 2336 بالسطور التالية ( اعتمد مجلس الأمن الدولي، اليوم السبت، قرارا، بالإجماع، من أجل وضع حد للعنف في سورية وبدء عملية سياسية في البلاد.

القرار الجديد الصادر تحت رقم 2336، كانت قد تقدمت بمشروعه كل من روسيا وتركيا بعد عملية محادثات مطوّلة في العاصمة التركية أنقرة مع جماعات المعارضة السورية وبالتنسيق مع الحكومة السورية.

ويؤكد القرار من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. ويكرر دعوته الأطراف إلى أن تتيح للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول بسرعة وأمان ودون عراقيل إلى جميع أنحاء سورية، على النحو المنصوص عليه في قرارته ذات الصلة.

كما يؤكد على أن الحل المستدام الوحيد للأزمة الراهنة في سورية إنما يكون بإجراء عملية سياسية جامعة بقيادة سوريّة استنادا إلى بيان جنيف المؤرخ 30 من حزيران/يونيو2012 على النحو الذي أيده القرار 2118 (2013)، وإلى قراريه 2254 (2015 ) و2268 ( 2016) ، والبيانات ذات الصلة الصادرة عن الفريق الدولي لدعم سورية. وفيما أعرب مجلس الأمن عن تقديره لجهود الوساطة المبذولة من جانب الاتحاد الروسي وجمهورية تركيا لتيسير إرساء وقف لإطلاق النار في الجمهورية العربية السورية، أعرب أيضا عن تطلعه إلى الاجتماع المقرر عقده في أستانا بكازاخستان، بين الحكومة السورية وممثلي المعارضة باعتباره جزءا مهما من العملية السياسية التي تقودها سورية وخطوة هامة يتم القيام بها قبل استئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف في الثامن من شباط/فبراير 2017.)

أنتهى نص القرار كما نشره مركز أنباء الأمم المتحدة .

إذ ذاك ، نتلمس ما يلي :

1 ـ إقرار دولي جامع بأن مباحثات أستانه جزء مهم من عملية سياسية تقودها سورية ، وأن المباحثات خطوة هامة قبل إستئناف المفاوضات في 8 شباط المقبل .. في جنيف .

2 ـ أن قبول الأطراف الغربية والإقليمية التي أوقفت (مفاوضات) جنيف قبل قرابة سنة ، يأتي بعد تحرير حلب ، وقيام تحالف جديد روسي إيراني تركي ، يدعم طرفان من هذا التحالف سورية ( المعنية أولاً وآخراً ) فضلاً عن علاقة طيبة لكل من سورية وإيران بالمقاومة اللبنانية ، ما يعني أن هذا التحالف مرشح للإتساع . يزيد من هذا الاحتمال ، طلب وزير خارجية العراق بالتزامن مع القرار الإنضمام لهذا التحالف ، وزيارة رئيس وزراء تركيا للعراق واتفاقه مع نظيره العراقي على الإنسحاب من مدينة بعشيقة .  

3 ـ إن تقديم مشروع القرار من قبل كل من روسيا وتركيا ( دون إيران ) لا يحتمل استبعاداً للحليفة إيران وإنما لضمان إقراره ، حيث لدى واشنطن وعواصم الغرب الإستعمارية حساسية ضافية تجاه إيران .

4 ـ إن مجيءالقرار بعد أيام من قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بوقف الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 ( رغم ما اعتور القرار من ثغرات) يعتبر بمثابة تحولات واستدارات مهمة لدى الذهنية الغربية، أو محاولات للظهور بذلك ، وأياً كان الحال ، فما حدث ، يعكس فشل المشروع الغربي بقيادته الأمريكية من تحقيق أهدافه رغم حجم الخسائر الهائل الذي أحدثه المشروع الغربي في كل المنطقة الغربية ، وليس سورية فحسب .

5 ـ إن إنضمام تركيا لكل من روسيا وإيران ، كان قبل شهور مستحيل التحقق ،لكن رفض واشنطن أو عدم تمكنها لاعتبارات استراتيجية من إقامة منطقة آمنة في شمالي سورية، واحتضانها المعارض التركي الأشد خطراً على نظام اردوغان وسعيها لإقامة كانتون كردي في شمال سورية ما يفتح الباب لكانتون كردي في جنوبها.. فضلا عن الرفض التاريخي للاتحاد الأوروبي ضم تركيا إليه ، ونظرتهم الدونية لأنقرة ، وما جرّت سياسات التآمر على سورية من تداعيات كارثية على نظام أردوغان ، ووقوف حلف النيتو متفرجا ، كل ذلك يستدعي إعادة تقييم شامل لتلك السياسات باتجاه بديل متاح لها باحترام .

6 ـ ثبوت عدم جدوى تعاون تركيا مع الرجعيات العربية،التي بدأت الموازين الإقليمية والدولية تنقلب عليها وبدات تعاني من أزمات داخلية إقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية ، فضلاً عن أن رياح جذور الإرهاب يتصل على الأقل ببعضها ، وثمة تنافس غير ظاهر على الزعامة الدينية للعالم الإسلامي ( السني) ، في حال بقي أردوغان مصراً على التهجي بالإخونة التي سولت له الخلافة ، وهو ما لا يرضي قطعاً (حلفاء آخرين لم يعودوا كذلك) والوهابية ، حتى لو استمر التحالف معهم ، في وقت لا تنافس فيه مع إيران على تزعم ذات ( المواصفة الإسلامية ).

7 ـ إن دخول إيران وتركيا في تحالف واحد يتعلق بسورية قد يمتد نحو تحالفات أخرى ، تنجز وقف الصراع المذهبي الشيعي السني ويقود إلى تفاهمات تُخرج الرجعية العربية المتهاوية من كل معادلات الاستقرار والأمن والتأثير الاقتصادي.

8 ـ لا سبيل لتركيا أن تستقر في هذا الحلف ويؤتي أكله في جوانب منه لصالحها ، في غياب التزام تركي حقيقي غير موارب ولا متذاكي ، أو مناور أو باللعب على الحبال ، وإنما بالاخلاص له ، بما يعني القبول بهزيمتها في سورية والقبول بذلك تماماً ، والتوقف عن تنفيذ أجندات إخونية في مصر أو اليمن او ليبيا أو اي مكان آخر.

9 ـ إن مخاوف انحياز روسيا الإتحادية إلى جانب تركيا على حساب إيران وسورية بل والعراق أيضاً ليس وارداً ، ليس فقط للعداء التاريخي الروسي التركي فهذا قد يتلاشى في ضوء مصالح راهنة وإنما أيضاً لوجود خيط معلن ومخف بين تركيا الراهنة بخاصة وتكفيريي الشيشان، ولأن مصالح روسيا مع سورية وإيران والى حد مع العراق والمقاومة اللبنانية ومن معها في العالم تفوق مصالحها مع تركيا غير المستقرة والمتذبذبة ذات السياسة العلمانية الكمالية حينا والإخونية المذهبية حيناً آخر ؛ الأوروبية المرفوضة والطورانية غير المقبولة ، وحيث لن تكون لروسيا مزايا لدى تركيا تفوق ما لها لدى سورية من توافقات فلن تقامر بالأعلى لتنال الأدنى .

10 ـ إن قرار مجلس الأمن يعزز رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه روسيا وسورية ، ما يضيف سبباً آخر لكي تلتزم تركيا بحلفها الجديد ، ويجعل هذه الإدارة غير معنية بالتزام أوباما إقامة كانتون كردي على الأرض السورية.

11ـ وسيدفن قرار مجلس الأمن التحالف الأمريكي في المنطقة ومعه الحلف الإقليمي الآخر، وفي السياق أية محاولة تركية للمناكفة او اللعب خارج السياق لصالحها الخاص ، ما سيسهل على إدارة ترامب تطبيق سياساتها تجاه روسيا وقضايا المنطقة ( حتى قرار مجلس الأمن المتعلق بالإستيطان قد يتيح لترامب التنصل من وعوده الإنتخابية لليهود ولكي ).

12 ـ كرس قرار مجلس الأمن روسيا كدولة أعظم ، بغير سياط ولا أساطيل حربية تجوب بحار العالم ولا قواعدعسكرية وسجون طيارة ، وجعل منها قوة قادرة على صنع قوى أخرى.. ولها تحالفات عديدة غير عدائية ولا قسرية ولا لتسويق صادراتها من السلاح وخلق الحروب .

13 ـ ورغم أن تركيا شريكة لروسيا في صناعة القرار بدرجة ثانية ، إلا أنها في حال عدم التزامها به سيتحول إلى أنشوطة ضدها ، على صعيد الحلفاء الجدد والأصدقاء الألداء القدامى ، وعلى صعيد تمدد الإرهاب في داخلها في غياب تنسيق صادق مع دول الجوار دون أدنى خداع من قبلها .

باختصار : وفي كل الأحوال فإن القرار يمثل ويعكس بدقة حال المنطقة وموازين القوة فيها ، أما والحالة هذه فالقرار مرشح بعد حين ليس بعيد لأن يصبح خلفنا ، بمعنى أن قرارات متعاقبة ستصدر تباعاً تعكس التقدم المضطرد المتحقق على الأرض بمواجهة الإرهاب ومصنعيه ومموليه وداعميه ومدربيه وحاضنيه ومنظريه ، هي قرارات تحصيل حاصل للمستجدات على الأرض ، ترسم الواقع وتقر تفاصيله وتشرعنه ، وتفرض على المراهنين على الوهم وبائعيه ؛ الركون والخرس ، والإقرار بالواقع الذي بدونه سيصبح كل من كان وراء دعم الإرهاب في حال لا تسره ، وسيكون الثمن أقسى وبدون أدنى حفظٍ لماء الوجه .

[email protected]

  

    

قد يعجبك ايضا