ظروف ومعاني ومستقبل القرار الدولي بوقف الإستيطان الصهيوني في الضفة الفلسطينية

 

الأحد 1/1/2017 م …

محمد شريف الجيوسي …

أسئلة كثيرة تثار حول مغزى وتداعيات ونتائج قرار مجلس الأمن المتخذ في 23 كانون أول الجاري ؛ بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت ، والذي يقضي بوقف الإستيطان الصهيوني في الضفة الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 ، على غير عادة واشنطن بتعطيل أي قرار لصالح القضية الفلسطينية بخاصة وقضايا الأمة العربية بعامة .

لا بد أن القرار رغم أهميته لا يعني شيئاً كثيراً ، كما حاولت بعض وسائل الإعلام تصوير القرار كما بعض الكتاب والمحللين السياسيين ، فالإستيطان الصهيوني في الضفة يكاد لم يُبق شيئاً من أراضي الشعب الفلسطيني فارغة وتصلح للإستيطان سواء منها داخل او خارج جدار الفصل العنصري ، إلا إذا كان الكيان الصهيوني يعتزم هدم المزيد من المنازل والمؤسسات والمقدسات الإسلامية والمسيحية وإقامة مستوطنات عليها .    

والقرار تجاهل عمليات الإستيطان الصهيوني المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 وما بعدها ، فضلاً عن مصادرة أراض أميرية ، كما في الجليل والنقب والمثلث ، ونعلم أن الصهاينة هدموا ويهدموا باستمرار قرى عربية في النقب ، وأقاموا عليها مستوطنات يهودية أو هم يمهدوا لإقامة مستوطنات جديدة عليها بعد تشريد المواطنين العرب الفلسطينيين عنها .

بهذا المعنى يعتور القرار نقيصتين ( رغم أهميته جزئيا ) أنه لم يتضمن آلية عملية حازمة وحاسمة لوقف الإستيطان الصهيوني مستقبلاً ، ولم يتضمن كذلك آلية لهدم ما بنى الصهاينة من مستوطنات منذ احتلال الضفة الفلسطينية سنة 1967 ،وترحيل المستوطنين الصهاينة عنها .

أما النقيصة الثانية ، فتتعلق بتجاهل القرار ؛ الإستيطان على حساب الشعب الفلسطيني حتى بعد قيام الكيان الصهيوني ونكبة فلسطين سنة 1948.. حيث أقيمت مستوطنات ومستعمرات صهيونية على اراض يمتلكها فلسطينيون مقيمون ومهجّرون ، وخلافاً حتى لقرار التقسيم ولأصول التعامل مع الأراضي الأميرية،

أما لِمَ لَمْ تستخدم واشنطن ( حق النقض ) ضد القرار، فذلك يتعلق بأكثر من مسألة ، أولاها المتغيرات الجارية على الأرض في المنطقة حيث يواجه المشروع الإرهابي الأمريكي وتحالفه الدولي والإقليمي ، هزائم متتالية في سورية والعراق واليمن وليبيا وحتى في مصر ، وقد بلغ في إحدى ذرى الفشل الأكثر أهمية سقوطه المدوي في حلب ، ما يستدعي إعادة النظر في كل آليات التعامل السابقة مع قضايا المنطقة ، وعدم استفزاز المشاعر القومية والتقدمية الصاعدة فيها ، فيما حلفاء المشروع الأمريكي الإرهابي الرجعي الإقليمي والدولي في حالة نكوص وهزائم ولا مراهنة عليهم .

أما المسألة الثانية ، فتتعلق بتغير الاصطفافات في الإقليم ، حيث يتكرس ( إئتلاف ) دولي جديد روسي إيراني تركي ، وحيث أن روسيا وإيران حليفتي سورية الرئيسيتين ، فهذا يعني ضمنا ان دمشق جزءاً من هذا الإئتلاف خلال وقت يسير ، وإنضمام العراق إليه ، أكثر من محتمل ، بخاصة بعد مطالب بغداد بالإنضمام إليه بلسان وزير خارجيتها الجعفري ..

وهذا يعني أن تركيا قد استدارت الى حد بعيد ،ومرشحة لمفارقة واشنطن وتحالفها وبالتدريج قد تصبح خارج معادلة النيتو، رغم ما ينطوي عليه أردوغان من غدر وسوء طوية وأطماع عثمانية وبصيرة غبية ، إلا أن فشل المشروع الأمريكي والمشروع الإخوني في المنطقة المتساوق مع أمريكا ، وقرار سورية وروسيا وإيران بإسقاط مشروع الكانتون الكردي الأمريكي في سورية الذي كان يؤرق تركيا من أن يمتد إليها ، ورفض واشنطن تسليم تركيا غريمها المقيم هناك بحماية أمريكية ، وما زال يمتلك هذا الغريم أدوات قوة في تركيا هي الأكثر تطرفاً ، فإن لأنقرة مصلحة إستراتيجية في الإستدارة ، يزيد ذلك تعري وافتضاح وفشل مشروعها التوسعي في سورية وتحرير حلب ، فضلا عن مصالحها الإقتصادية البالغة الأهمية مع كل من روسيا والصين وإيران وسورية والعراق في الأمن والنفط والغاز والسياحة والاستثمارات والنقل والإنتقال وفي مناهضة الإرهاب الذي بدأ يرتد على تركيا.     

والمسألة الثالثة ، فهي أمريكية داخلية ، حيث من الواضح أن أمريكا اتخذت قرارها بإعادة النظر في مجمل سياساتها الراهنة ، بما في ذلك تعاملها مع القضية الفلسطينية .. وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب ، وعدم نقض الإدارة الحالية القرار ( التي تمثل تياراً قويا داخل الولايات المتحدة وإن هزمت ) هو محاولة لتصعيب الموقف أمام الإدارة المقبلة والتيار المنتصر ، في التعامل مع هذا الملف ، وربما لتسهيل الأمر على الإدارة الجديدة في التحلل من وعودها الإنتخابية ، فأمريكا دولة ( مؤسسات حاكمة متنفذة ولا يعني فوز أحد المرشحيْن وخسارة الآخر أن أحدهما خارج معادلة الولاء لهذا النظام بكل تعقيداته .. لكن تفويز التيار الذي كان خارج معادلة الحكم يعني ضرورة التغيير في تكتيكات التعامل مع القضايا الساخنة الكبرى ذات الطبيعة الإستراتيجية ) وعدم استخدام النقض ، قد يكون في هذا الاتجاه للتحلل من وعود قطعها ترامب لا تنسجم مع الإسترتيجية العامة المقبلة .. وما تفرضه وتتطلبه المتغيرات وتحسين العلاقات مع قوى دولية نافذة كروسيا .

ورغم كل ما سبق ، فسيكون للقرار تداعيات داخلية على الكيان الصهيوني ، بخاصة في حال تمكن الفلسطينيون من تحقيق مقاربات جيدة في عدد من المنظمات الدولية وفي حال استعادة الوحدة وإنهاء الإنقسام وتعزيز الإنتفاضة بكل أشكال المقاومة ، وأخال أن تقدم محور المقاومة بمواجهة الإرهاب وتحرير حلب والتغيرات الإقليمية ستسهم في تعزيز الوضع الفلسطيني ، ما يعني الإسهام في تفكك الجبهة الإسرائيلية الداخلية وتبادل الاتهامات عن المسؤولية في الوصول إلى هذه الأوضاع وإزدياد هشاشة الوضع الإسرائيلي الذي تبدى واضحاً منذ عام 2000 رغم إمساك واشنطن بزمام الأمور في العالم اعتبارا من سنة 1990 .

لكن القرار الأممي لن يطبق علنا ولن تلتزم به ( إسرائيل) ، إنما سيسهم في تفكك الوضع الداخلي جراء ما أشرنا إليه ، ما قد يتسبب في تعطيل الإستيطان أو تباطؤه دون اذعان إسرائيلي معلن للقرار جراء حسابات استهلاك داخلية ، ومكابرة دينكوشوتية لا تنطوي على ما تعبر عنه في الواقع، وستبقى المستوطنات الصهيونية السابقة على القرار وما قد يجد قائمة ، ما لم يصبح الشعب الفلسطيني على قدر من القوة المسلحة تؤهله لتطبيق القرار الأممي بأثر رجعي .

أما لِمَ اتخذ القرار بهذا الإجماع ، فـ بالتأكيد أن دولاً كـ ماليزيا والسنغال وأنغولا واروغواي ومصر هي دول خارج اللعب الدولية إلى حد معين ، ويرجح أنها اتخذت موقفها الطبيعي في ظل غياب ضغوط أمريكية للتصويت ضد القرار وتشجيع روسي وصيني ، أما الدول الغربية فرنسا وبريطانيا والمانيا وأوكرانيا وإسبانيا ومعهم اليابان فبتأكيد اتخذت قرارها بالتنسيق مع واشنطن..وهي تعلم مغبة الإستمرار في سياسة الدعم المطلق للكيان الصهيوني المتعنت ، علماً أن دولاً أوروبية توقفت عن استيراد منتجات المستوطنات الصهيونية المقامة بالضفة .

أما روسيا والصين وفنزويلا فمن المؤكد أنها ستصوت مع القرار كدول صديقة للأمة العربية ودون ادنى تنسيق بالطبع مع واشنطن وحلفائها ، بل لا بد انها حثت دول العالم الثالث على التصويت لصالح القرار .

بكلمات لا بد أن القرار على قدر محدود من الإيجابية غير الحاسمة ، أو التي يمكن المراهنة عليها ، لكنه يتصل من حيث إيجابياته بتحولات جارية على الأرض وفي التحالفات المستجدة ، وقد يتجذر القرار لاحقاً في ضوء مستجدات تجري بذات الإتجاه، وقد لا ينتظر الشعب الفلسطيني قرارا أممياً جديداً ، ويعمل على تنفيذه بأثر رجعي في كل فلسطين المحتلة، فقد طال إنتظار ( العدل الدولي ) الغائب والعاجز وغير العادل، بعد نحو 7 عقود عجاف من الصبر والمراهنة عليه والإنتظار.

[email protected]

قد يعجبك ايضا