ما هي الإحتياجات الحقيقية الراهنة للأمة ؟

الإثنين 26/12/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

تداول أناس طيبون ما اعتبروه خبراً بإصدار جامعة معينة مصحفاً كاملاً ( طال إنتظاره وبذلت جهود كبيرة لإعداده بالصوت والترجمة والتلاوة والتفسير ) يجري التعامل معه بوضع الإصبع على الشاشة من اليسار إلى اليمين ليظهر التفسير .. واعتبر البعض أن ذلك من الأعاجيب واعتبروا تعميم الخبر صدقة جارية .. وطالبوا من يطلع على ذلك أن لا ( يخلي صديق أو أحد إلا وأعلمه بذلك ) .

لا بد أن هذا شيئاً مهماً.. رغم أن مساجدنا وبيوتنا والمكتبات الخاصة والعامة ومحلات بيع التسجيلات الدينية مليئة بمختلف طبعات وتسجيلات وترجمات وتفاسير القرآن الكريم ، يفوق بمرات عدد السكان في بلاد كثيرة..ولكن ما ينقص الأمة ليس المزيد من الإصدارات فلدينا كفاية وتزيد،وإنما المطلوب تدبر القرآن الكريم تدبراً إيمانيا دقيقا علميا غير مسيس لصالح أجندات تخدم أعداء الأمة على اختلاف مسمياتهم ، وبعيداً عن التطرف والتكفير والتحريف والإتجار بمسوح الدين، وبعيداً عن محاولات البعض إصدار فتاوى الفتن واستباحة أرواح الناس واموالهم وأعراضهم وحرياتهم وحقهم في العبادة وفق قناعاتهم وليس وفق قناعات التكفيريين .

ولا بد أن الأمة في حاجة ملحة أيضاً لبناء المزيد من المدارس للتغلب على نظام الفترتين في الأردن وبعض البلدان، أو لإتاحة الفرصة لمزيد من الأطفال والشباب بالتعلم ، كما نحن بحاجة لمزيد من الجامعات والإرتقاء بمستواها العلمي وتزويدها بالحواسيب ووسائل الإيضاح وأجهزة التعليم الحديثة وغير ذلك ،

ولا بد أن الأمة في حاجة ملحة لمزيد من المصانع والمعامل ودعم الزراعة والصناعات الزراعية لإستيعاب عاطلين عن العمل وحل مشكلات البطالة والهجرة من الريف إلى المدينة .

ولا بد أن الأمة بحاجة للإرتقاء بمستوى الروح والوعي واللحمة الوطنية، بحيث تكون قادرة على مناهضة الأجندات الضيقة وفتاوى الفتن التي تبث من بعض المساجد ومن على منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في بلدان عديدة وكذلك مناهضة أي طامع او محتل أو غاز ، وفي آن إعادة النظر في المناهج الدرسية والجامعية التي تتضمن رؤى ضيقة سواء على الصعيد الوطني أو الإيماني.

والأمة أيضاً في حاجة للإرتقاء بالبحث العلمي والإختراعات وإستيعاب المواطنين الذين لديهم قدرات في الإبداع والاختراع والإنتاج ، وعدم ترك هؤلاء يتسربون ليثروا الدول الأجنبية فيما نحن أشد ما نكون إحتياجاً لقدراتهم في مختلف المجالات ، ليس بالحجرعليهم وإنما بفتح فرص كاملة لهم .

والأمة بحاجة لترشيد الخطاب الإيماني واستيعاب الآخر ، فالله جل في عليائه أعلم بمن إتقى ، وليس لأحد حق فرض أجندته المعتقدية على الآخرين، ولا يمتلك أحد تفويضاً من الخالق سبحانه ولا من البشر.. نحن أحوج ما نكون لإستيعاب ما هي عليه أمتنا من تعدديات إثنية قومية وإيمانية مذهبية وطائفية ، بما يحصن الجبهات الداخلية ويحول دون تدمير مقدرات الأمة ويصون دماء الجميع وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم ، وبما يحول في آن دون تدخل قوى وأجندات أجنبية، ويحمي وطننا الكبير من الصهيونية والإستعمار والعثمنة ، وفي آن بما يقوي الجبهات الداخلية بمواجهة الإستئثار والفساد والظلم .

والأمة في حاجة لإنفاق أموالها وثرواتها وأرصدتها وعائدات مقدراتها في أوجه تخدم استقرارها وأمنها وامانها وتقدمها ونماءها ، لا في بث الفتن وشراء ذمم مشايخها والإعلام لمزيد من الفتن،ولا في شراء مؤسسات أفلست في الغرب، ولا في ادخار أرصدتها في المصارف الغربية والأمريكية،فيما تحتاج العديد من الدول العربية لإيداع بعض هذه الأموال في بنوكها لتدعيم سعر صرف عملاتها،وإقامة مشاريع إنتاجية وخدمية .. بحيث لا تعد في حاجة لمساعادات أجنبية ورهن قرارها الإقتصادي والسياسي للدول (المانحة) والمقرضة.

والأمة في حاجة لتدعيم جيوشها الوطنية وأجهزتها الأمنية وتزويدها بكل احتياجاتها التسليحية والتدربية والمعيشية المناسبة باعتبارها سياج الأوطان ، وتمكينها من تحقيق الإستقرار والأمن والأمان الذي يخدم شعوبها،وفي اجتثاث الإرهاب والبطانات الحاضنة له ، لا في قمع الحريات العامة وتدعيم بنى وهياكل الفساد والاستغلال ، ولا في تخديم مناطق ساخنة خارج أوطانها أشعلتها عواصم الإستعمار القديم منها والجديدة.

والأمة في حاجة للإرتقاء بمستوى المعلمين العلمي والمعيشي ، باعتبارهم النموذج الذي يرى فيه الطلبة مستقبلهم ، فإن كان متواضعا علميا ومهمشاً اجتماعياً ومعاشياً ، شكل عامل إحباط للطلبة واستخفاف بمجمل العملية التربوية والتعليمية ، وهبط بالتالي بمخرجات التعليم.

والأمة العربية في أغلب أقطارها في حاجة ملحة لإستعادة الثقة بأنظمتها السياسية ، من خلال تطابق الخطاب الدعاوي والإعلامي لها مع الواقع ، والتحلي بالصدقية والوطنية وعدم التبعية للأجنبي والمحتل والمستعمر، ولا بد أن كسب ثقة المواطن العربي هي السياج الحقيقي للدول ، وأقصر الطرق لتمكين الشعب من الدفاع عن النظم السياسية وقبول التقشف بمواجهة الضغوط ، وتحقيق الرؤى الوطنية بديلا عن القمع والردع والتجويع والترهيب .

[email protected]

قد يعجبك ايضا